ترغيب التجار في الصدق وترهيبهم من الكذب

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الإمام المنذري رحمه الله: ترغيب التجار في الصدق، وترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين.

روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء).

ورواه ابن ماجة عن ابن عمر ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة).

وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً ويمحق بركة بيعهما).

وفي رواية: (اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب).

هذه الأحاديث يرهب بها النبي صلى الله عليه وسلم التجار من النار ومن الكذب ومن الحلف بالله سبحانه وتعالى، حتى ولو كانوا صادقين؛ لأن الإنسان الذي يعتاد على اليمين يحلف صادقاً ثم يأتي عليه زمان يحلف فيه معرضاً ثم يحلف بعد ذلك كاذباً، فلذلك يحذر الإنسان من اليمين ولا يعود نفسه على الحلف إلا إن يحتاج إلى ذلك، أما أن يكون الأمر المراد منه لا يحتاج إلى يمين ثم هو يسارع إلى الحلف فهذا حتى ولو كان صادقاً سيتدرج حتى يحلف كاذباً بعد ذلك، وخاصة إذا كان تاجراً؛ لأن المال يفتن صاحبه فيحلف حتى يروج السلعة، يحلف مرة صادقاً ومرات كاذباً فليحذر من ذلك.

وهذه أحاديث فيها بيان أن التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء، وأن التاجر الفاجر في النار، والعياذ بالله.

عن أبي سعيد وابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء).

ما قال: التاجر الصادق ولكن قال: الصدوق يعني: كثير الصدق، (الأمين) أي: المؤتمن الذي لا يغش في تجارته، ولا يخدع، ولا يمكر، ولا يحتال، ولا يدلس، ولا يبيع الشيء المعيب بغير تبيين، فهذا هو الأمين.

وفي الحديث الآخر المسلم، وهذا طيب فإن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وقوله: (مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة).

أي: يوم القيامة يحشر مع هؤلاء.

وفتنة المال عند التجار فتنة عظيمة جداً فالتاجر عنده مال لكنه يريد ربحاً أكثر فإذا اتقى الله سبحانه ولم يفتنه المال فباع بصدق وهمه أن يرضي الله سبحانه وتعالى فإن الله يبارك له في دنياه، ويبارك له في أخراه.

فالتاجر الذي يصدق في كلامه، ولا يكذب ولا يخون ولا يخدع ولا يغش في منزلة عالية يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء.

وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)، والبيعان: البائع والمشتري، فهما بالخيار ما لم يتفرقا.

لعل إنساناً يذهب إلى البائع يشتري شيئاً وبعد أن يشتريه وهو يسير في المتجر يقول لا أريد هذا الشيء لقد تذكرت أني محتاج إلى المال الذي معي فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بالخيار، طالما أنهما لم يفترقا ولم يحدث نوع من الخسارة للتاجر، فيجوز أن يتقايل هذا البيع ولا يتم للبائع طلباً لأنه ما زال في المتجر ولم يحصل للسلعة أي عيب.

قال صلى الله عليه وسلم: (فإن صدق البيعان وبينا -أي: صدق البائع والمشتري- بورك لهما في بيعهما)، فالصدق منجاة في الدنيا وفي الآخرة فإنه يبارك لهما في السلعة، (وإن كتما وكذبا)، الاثنان، وقد يقول قائل: البائع سيكتم لكن المشتري ماذا سيكتم فإنه يدفع نقوداً؟

صلى الله عليه وسلم قد لا يدفع نقوداً بل يدفع شيئاً آخر كأن يتبادلا سلعة بسلعة، فكل منهما يكون بائعاً ومشترياً وكل سلعة من السلعتين فيها بيع وهي ثمن للسلعة الأخرى.

(وإن كتما وكذبا)، الاثنان أو واحد من الاثنين فالذي يكتم ويكذب لا يبارك له.

قال صلى الله عليه وسلم: (فعسى أن يربحا ربحاً)، هذا اللفظ في غير البخاري ومسلم وهو صحيح.

يعني: قد يبدو في الظاهر أنهما ربحا، لكن الحقيقة أن هذا الربح ممحوق يمحقه الله سبحانه وتعالى.

فإذا محقت البركة فلينتظر هلاك المال الذي لا يبارك الله عز وجل فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015