قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين للعالم ولا محايد له، إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت.
ولهذا قال محمود بن سبكتكين لمن ادعى ذلك في الخالق: ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم.
وكذلك كونه لا يتكلم أو لا ينزل ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال، بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات، فهذه الصفات منها ما لا يتصف به إلا المعدوم، ومنها ما لا يتصف به إلا الجماد والناقص].
هذا تقرير حقيقة بدهية سهلة بينة، وقد ساقها الشيخ بسياق يناسب ألفاظ المتكلمين لإقناعهم؛ لأنه الآن يعالج مرضاً، والكلام هذا لا يصح للأصحاء، ولذلك أنا لا أنصح طلاب العلم أمثالكم الذين سلمت -بحمد الله- عقائدهم وأفكارهم من هذه المعضلات الكلامية والمحارات الخوض فيها، فلذلك سنقتصد فيها، نقرأ قليلاً ثم نتجاوزها بعد قليل إلى القاعدة الثانية.
لكن قبل أن نخرج من هذه القاعدة أحب أن أنبه إلى أن الشيخ يقول: إن هؤلاء الفلاسفة وأهل الكلام ومن قلدهم من المعتزلة والجهمية ومتكلمة الأشاعرة والماتريدية لما أحرجوا بنصوص الصفات وقال لهم السلف: هذه نصوص صريحة صحيحة جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أخذوا يتحايلون في نفي الصفات بأوهام عقلية، من أجل أن يردوا بها الصفات ويتأولونها، فكان منهم من يرد، ومنهم من يتأول هذه الأوهام العقلية على أنها من مقتضى تعظيم الله وتقديسه، ومن مقتضى نفي التشبيه عن الله عز وجل، فقالوا: لا يجوز أن نتصور أن الله داخل العالم، أي: داخل المخلوقات، فنقول: نعم، فلا يليق أن يكون الله داخل مخلوقاته، بل ولم يقل بهذا من يحترم نفسه من عقلاء الناس، وأما أصحاب الهذيان والموسوسين من الفلاسفة فلا اعتبار لهم، لكن لم يقل أحد من عقلاء الناس: إن الله داخل العالم؛ لأنه مقرر في العقول السليمة والفطر المستقيمة وفي الشرع أن الله عز وجل فوق السموات، فوق عرشه لا داخل المخلوقات.