الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقبل أن نشرع في الدرس أحب أن أستعرض بإيجاز المعاني والأصول التي قد درسناها، وذلك من أجل أن يرتبط في الذهن الدرس الحاضر بالدروس الماضية، فأولاً: أشار الشيخ في المقدمات الأولى قبل هذا الفصل إلى قواعد مهمة أجملها وبدأ يفصل فيها الآن، وهي أن الأصل فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وأفعاله إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه قاعدة لا تتخلف، وهي مقتضى قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].
ثم أشار إلى مقدمة للرد على أهل الأهواء الذين أولوا الصفات أو عطلوها، هذه المقدمة قد لخصها الشيخ في أمور عدة: منها: أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، أي: إذا أثبتنا بعض الصفات فيلزمنا إثبات الجميع، والذين أولوا بعض الصفات رد عليهم الشيخ قائلاً: لماذا فرقتم بين الصفات عند تأويل بعضها؟ والصفات كلها غيب، وكلها كمال لله عز وجل، وكلها على حقائقها، وكلها جاءت في الكتاب والسنة، فإذا أولتم بعضها فلماذا لم تأولوا البعض الآخر؟ والتفريد لا مبرر له.
ومنها: القول في الصفات كالقول في الذات.
ثم ضرب مثالين عظيمين في أن أسماء الله عز وجل وصفاته لا يجوز الكلام فيها بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة، وأنها أمور غيبية لا يمكن فيها قياس المخلوق على الخالق، أو قياس الخالق على المخلوق، وأن من قاس الخالق على المخلوق وقع في التأويل والتعطيل وفيما نهى الله عنه، ووقع في الإلحاد في أسماء الله وصفاته، أي: الإلحاد الجزئي والكلي، وقد ضرب لهذا مثلاً في الخلق -ولله المثل الأعلى- فقال: هناك من المخلوقات ما لم تحيطوا به علماً، وهي مخلوقات لها أوصاف وأسماء وأحوال، وضرب لذلك مثلاً بالروح، فقال: أنتم الآن تتكلمون في الله عز وجل بغير ما ورد في الكتاب والسنة، وتتعرضون لأسماء الله وصفاته بعقولكم وأرواحكم بدعوى القياس، مع أن فيكم جميعاً مخلوقاً لم تصلوا فيه إلى نتيجة، وهذا المخلوق له صفات وأحوال وسمات، ومع ذلك لا تحكموا فيه برأي ولا بعقولكم، وهذا المخلوق هو الروح، فكل إنسان معه روح، وهذه الروح تقعد وتنزل، ولها صفات وأحوال، وموصوفة بحقائق، ومع ذلك لا أحد يدري ما الروح؟ مع أنها مخلوق من مخلوقات الله.
إذاً: فلماذا تتحكمون بأسماء الله وصفاته بعقولكم؟ ثم ضرب مثلاً آخر أيضاً بنعيم الجنة فقال: الجنة فيها نعيم، لكن ليس كنعيم الدنيا، ففي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهي مخلوقة وموصوفة لنا، ومع ذلك فنعيمها من حيث الألفاظ تشبه ألفاظ نعيم الدنيا، ففيها عنب وخمر ولبن وماء وأشياء كثيرة مما يوجد في الدنيا، ومع ذلك فليس هذا كذاك.
ثم ذكر القواعد التفصيلية وخاتمة ستأتي، وهذه القواعد التفصيلية مهمة في الحقيقة، وينبني عليها تصور ما سنقرؤه الآن، وما سنقرؤه مستقبلاً، وما قرأناه في الماضي، والشيخ قد أشار إلى سبع قواعد ذهبية عظيمة جداً استنبطها من النصوص، وستجدون أن لكل قاعدة أدلة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته.
القاعدة الأولى: أنه يجب وصف الله بما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم بالإثبات والنفي.
القاعدة الثانية: ما جاء في كتاب الله، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسماء الله وصفاته وأفعاله وجب قبوله والإيمان به بدون مناقشة.
القاعدة الثالثة: التفصيل في ظواهر النصوص، هل هي مرادة أو غير مرادة؟ لابد من التفصيل، فإن قصد بالظاهر: أنها حقائق فحق، وإن قصد بالظاهر: تشبيه الله بالمشاهدات فلا؛ لأن الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].
فيقول: لا تلبسوا على الناس بمثل هذه الأمور، فتقول: إذا كان ظاهرها مراداً فمعناه أننا قد وقعنا في التشبيه، إذاً لابد أن نؤول، فأقول: لا، فإن ظاهرها مراد، لكن ليس ظاهرها ما تتوهمونه، وإنما ظاهرها الحقائق، فالله عز وجل موصوف بالحقائق على ما يليق بجلاله.
القاعدة الرابعة: نفي ما يتوهم من مماثلة المخلوقين.
القاعدة الخامسة: أن نعلم أن ما أخبر الله به معلوم من وجه، وغير معلوم من وجه آخر، معلوم من حيث أنه حقيقة، وغير معلوم من حيث الكيفية.
القاعدة السادسة: أنه لابد من ضابط للنفي والإثبات في أسماء الله وصفاته.
القاعدة السابعة: أن كثيراً مما جاء به الشرع يدل عليه العقل دلالة إجمالية، لكن العقل لا يستطيع أن يعرف التفاصيل، بل لم يعرف تفاصيل نفسه، ولذا فالتفاصيل يعفى منها العقل، والله عز وجل ما كلفه بذلك، لكن من حيث الإجمال فنعم؛ لأنه ما من عقل سليم إلا ويدرك الكمال لله عز وجل، كما يدرك على جهة الإجمال أن الشرع جاء بمصالح العباد، ويدرك ضرورة البعث، وضرورة النبوات، إلى آخر ذلك على جهة الإجمال، وأما التفصيل فلا، وهذا ما سيفصله الشيخ ف