هي قاعدة شبيهة بالقاعدة التي قبلها، لكن لها وجه من التوضيح، وهي: أنه يجب على المسلم أن يعلم أن ما أخبرنا الله به، وأخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه في ذاته وأسمائه وصفاته، نعلمه من وجه ولا نعلمه من وجه آخر، فالوجه الذي نعلمه أن هذه الأسماء والصفات والأفعال هي لله على الحقيقة، وأن لها معاني تليق بالله عز وجل، وأنها تعني الكمال المطلق لله عز وجل، ويجب أن نعظّم الله بذلك ونقدّسه ونسبّحه، ولأنه لا يمكن أن يكون هناك أوصاف بلا معان، وأسماء بلا معان، وأفعال بلا معان، وإذا جُردت الألفاظ من المعاني وقع المسلم في التعطيل، ووقع في وصف الله عز وجل بصفات المعدوم.
إذاً: لا بد أن نعلم أن ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته نعلمه من وجه، وهو أن أسماء الله وصفاته وأفعاله على الحقيقة، وأن لها معاني ثابتة، لكن لا نعلمه من وجه آخر، وهو الكيفيات وسائر أمور الغيب، وفي حق الله أولى، ولله المثل الأعلى، فنحن نؤمن بخبر الله عن الملائكة، وقد جاء تفصيل أحوال الملائكة في القرآن والسنة، وممكن أن كل واحد منا في ذهنه توهمات وتصورات عن الملائكة أو عن بعض الملائكة، كجبريل مثلاً، فجبريل قد وردت له أوصاف كثيرة، وكل منا يتخيل في ذهنه شيئاً من هذه الأوصاف، ونحن نعلم أن أوصاف جبريل لها معاني حقيقة، وهذه المعاني الحقيقية هي الوجه الذي يجب أن نؤمن به، لكن أيضاً في أوصاف جبريل معان وهمية في أذهاننا، ليست حقيقة ما هو عليه، ولا أحد من البشر أو المخلوقين قد رأى جبريل على حقيقته إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رآه على حقيقته، وهي حقيقة ليست كحقيقة ما يشاهده الناس من مشاهدات، فإذا كان هذا -ولله المثل الأعلى- في مخلوق نعلم له صفات، ونعلم له أحوالاً، وهذه الأحوال نفهمها من وجه، وهي أنها معان حقيقية وصفات حقيقية، ولا نفهمها من وجه، وهي الكيفيات، فمن باب أولى -ولله المثل الأعلى- ما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته، وكل ما ورد عن الله سبحانه له معان وحقائق نفهمها من وجه، وهو أنها حقيقة على ما يليق بجلال الله، وأنها على الكمال المطلق له عز وجل، ولا نفهمها من وجه، وهو الكيفية.