قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [فصل وأما المثلان المضروبان: فإن الله سبحانه وتعالى أخبرنا عمّا في الجنة من المخلوقات من أصناف المطاعم، والملابس، والمناكح، والمساكن، فأخبرنا أن فيها لبناً، وعسلاً، وخمراً، وماء، ولحماً، وحريراً، وذهباً، وفضة، وفاكهة، وحوراً، وقصوراً، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء].
أراد الشيخ رحمه الله هنا أن يبين قاعدة من القواعد التي سبق الكلام عنها في الصفات.
كما قد تكلم عن أصلين سابقين، الأول: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، يعني: أن من أثبت شيئاً من الصفات الواردة في الكتاب والسنة لزمه أن يثبت الباقي؛ لأن الشبهات التي أثارها فيما ينفيه تندرج على ما أثبت، والأجوبة الشرعية والعقلية في نفي الشبهات تندرج على ما نفى كذلك.
الثاني: القول في الصفات كالقول في الذات، وهذا فيه رد على صنف آخر، وهم الذين ينفون جميع الصفات ويثبتون لله عز وجل الوجود الذاتي أو الذات، فيقول: إن الإثبات فيما أثبتموه ينطبق على ما نفيتموه، والشبهات التي قلتموها في الصفات تنطبق على ما أثبتموه، وهو الذات، وبهذا تنتقض شبهات القول.
ثم ذكر أنه سيبين هذا بعد الأصلين السابقين بمثالين مضروبين: الأول: نعيم الجنة، وبيّن أنه كما أننا نثبت ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من حقائق في الجنة، فإن هذه الأوصاف والحقائق تشبه ما في الدنيا، ومع ذلك نحن نعتقد ونجزم أن حقائق نعيم الجنة وما ورد في تفصيلاتها، مثل: العنب والخمر واللبن وغيرها، أنها حقائق تختلف تماماً عن الحقائق التي في الدنيا، فهي حقيقة، وما في الدنيا حقيقة، لكن ما في الجنة أعلى وأعظم، ففيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قد وصف نعيمها هذا الذي لا يمكن أن يخطر على قلب بشر بنفس الوصف الذي وصف به أحوال المأكولات والمشروبات الطيبة في الدنيا، فإذا كانت حقيقة ما في الجنة تختلف كيفياتها عن حقيقة ما في الدنيا مع اتفاق الألفاظ واتفاق المعاني العامة، فإن إثبات الصفات لله عز وجل على ما يليق بجلاله كما ثبتت بالكتاب والسنة على وجه يختلف عن كيفيات الصفات المشابهة لها لفظاً في الدنيا، وهي صفات المخلوقين، وهذا أمر لا بد أن يقطع به العقل السليم.
الثاني: الروح، وسيأتي الكلام عنه في وقته إن شاء الله.