الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد.
فلا زلنا في دروس العقيدة في المجلد الثالث من الفتاوى، وقد وصلنا إلى الأصل الثاني، وقبل أن نشرع في الدرس أحب أن أشير إلى قاعدة مهمة يجب أن يستصحبها المسلم دائماً عندما يتأمل أسماء الله وصفاته وأفعاله، ولا سيما طالب العلم، وكما تعرفون هذه الرسالة، أعني: (رسالة التدمرية) جلها أو أغلبها في تقرير الصفات لله عز وجل والرد على المخالفين، ولا شك أن هذا أصل عظيم من أصول الدين، بل هو أعظم أصل في تقرير أسماء الله وصفاته وأفعاله التي يجب أن يعتقدها المسلم، ثم ما يستتبع ذلك من ضرورة الدفاع عن العقيدة ونفي أقوال المبطلين والجاهلين والمتأولين بأسماء الله وصفاته، والرد على المخالف -كما تعلمون- أصل عظيم من أصول الإسلام، لكن مما يجب على طالب العلم بأن يستصحبه عندما يخوض في مسائل الخلاف مع أهل الأهواء والبدع في أسماء الله وصفاته قاعدة عظيمة جداً، وهي: ألا ينسى أن المقصود بتقرير أسماء الله وصفاته والدفاع عنها إنما هو تعظيم الله عز وجل، وليس مجرد المعرفة العلمية، أو مجرد استعراض قوة المسلم أمام المخالفين، أو قوة أهل السنة أمام المخالفين، أو عرض الحجج وقوتها، فليس هذا هو المقصود، وإنما هذه وسائل، فالكلام في أسماء الله وصفاته وأفعاله تقريراً ودفاعاً إنما هو وسيلة لتعظيم الله عز وجل بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإلى دعاء الله بذلك، وعليه فيجب أن تكون الغاية الأولى عند تعلم هذا الأصل: توحيد الله عز وجل وتعظيمه وإجلاله، وعبادته على هذا الأصل، أي: دعاء الله بأسمائه وصفاته كما أمر الله عز وجل.
كما أن أسماء الله وصفاته لا بد أن تُثمر ثمرتها في قلب المسلم، لا سيما طالب العلم الذي يتكلم عن هذه الأمور على جهة التفصيل، فيجب أن يمتلئ قلبه من خلال استعراضه لأسماء الله وصفاته وأفعاله، ونفي الباطل والنقص عن الله عز وجل، والمحبة لله، والخشية له، والرجاء منه، ثم ما يستتبع ذلك من اليقين والإنابة والتوكل، وسائر الأعمال القلبية التي لا بد أن تُثمر ثمرتها في الجوارح وعلى اللسان.
وهذا الأصل -كما قلت- ينبغي أن يكون بدهياً، لكن مع ذلك لا بد من التنبيه له بين وقت وآخر؛ لأن طالب العلم إذا اشتغل بالردود فربما يقسو قلبه، فتنصرف همّته إلى مجرد الرد ومقارعة الحجة بالحجة، فيغفل عن أن يتأثر قلبه وتتأثر جوارحه ولسانه بتعظيم أسماء الله وصفاته وأفعاله.
ولذلك نجد بعض المشتغلين بهذا العلم أو بهذا الجانب يغفلون عن هذه القاعدة، والشيخ رحمه الله كما تعلمون لا يزال يرد على الذين ينفون الصفات، سواء أولئك المعطلة كالجهمية والفلاسفة والغلاة الذين ينفون الأسماء والصفات، أو من دونهم ممن يؤولون أو ينفون البعض ويثبتون البعض.
والشيخ الآن سيقرر الأصل الثاني في الرد عليهم على النحو التالي: