أسماء الله وصفاته مختصة به وإن اتفقت مع ما لغيره عند الإطلاق

قال المصنف رحمه الله: [ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به، إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلاً عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص].

يمكن أن نضرب لهذا بأي مثال، كالحكمة والرحمة مثلاً، فالله عز وجل وصف نفسه بذلك، ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، وكلمة (حكمة) من الكلمات المطلقة مثل كلمة (وجود)، ومثلها كلمة: (رحمة) و (علم)، إذ لا يمكن أن تنطبق على المعين إلا إذا قرنت بمعين، ومع ذلك قبل أن تقترن بمعين فهي كلمة في الذهن، ولذلك قالوا: في الأذهان وليس في الأعيان، كما أنهم قالوا: إنها بمعنى الإطلاق، والاسم المطلق هو الاسم المجرد عن الموصوف، فنأتي باسم ولا ندري من نقصد به! مع أنه لا يوجد اشتراك بين المسميات إلا في اللفظ، حتى المخلوقات كلها تشترك في كثير من الصفات، لكن بعض الألفاظ المشتركة فيها تباين عظيم جداً، فوجود العرش غير وجود البعوضة -وهذا في المخلوقات نفسها- فالتفاوت بينها تفاوت لا يكاد يتصور من الفوارق العظيمة الهائلة، ولله المثل الأعلى، فكيف بإطلاق اللفظ على الله عز وجل إذا أطلق؟! فالألفاظ والمعاني والأسماء المجملات عند الإطلاق لا تعني شيئاً، وعند التقييد لا بد أن يلتزم فيها ما يليق بمن أطلقت له، ويبقى اللفظ مشتركاً، والاشتراك لا يعني التشابه والمماثلة إلا في اللفظ، والاشتراك اللفظي ليس اشتراكاً حقيقياً بين الخالق والمخلوق بالذات، بل لا يمكن أن يكون الاشتراك اللفظي بين الخالق والمخلوق اشتراكاً حقيقياً في الكيفيات، وإنما هو اشتراك لفظي فقط، وهذا الاشتراك اللفظي وإن وجد لا يوجب نفي الأسماء والصفات عن الله عز وجل؛ لأننا نعلم علم اليقين أن هذه الألفاظ المشتركة إذا أطلقت على الله عز وجل أطلقت عليه بما يليق بجلاله وعظمته، وأنه ليس كمثله شيء، وإذا أطلقت على المخلوقات فإنها تليق بالمخلوقات من حيث إنها ناقصة وزائلة وفانية، ويعتريها النقص من كل وجه، ففرق بين هذا وذاك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015