حاجة العباد إلى الاستغفار ووجه اقتران التوحيد والاستغفار

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد ذكر عن آدم أبي البشر أنه استغفر ربه وتاب إليه، فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وعن إبليس أبي الجن لعنه الله أنه أصر متعلقًا بالقدر فلعنه وأقصاه، فمن أذنب وتاب وندم فقد أشبه أباه، ومن أشبه أباه فما ظلم، قال الله تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:72 - 73].

ولهذا قرن الله سبحانه بين التوحيد والاستغفار في غير آية، كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، وقال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت:6]، وقال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود:1 - 3].

وفي الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم وغيره: (يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا).

وقد ذكر سبحانه عن ذي النون أنه نادى في الظلمات: {أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه)].

هذا الوعد حق، لكن هو كسائر النصوص العامة المجملة التي تحتاج إلى أن يرجع في تفسيرها تفصيلاً إلى نصوص أخرى؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه) حق، لكن بشرط أن تتوافر الشروط وتنتفي الموانع، وهذا في كل عمل، كما أن الله عز وجل وعد من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بأن يدخل الجنة، لكن هذا مشروط بشروط وانتفاء موانع، وكذلك من حقق أركان الإيمان، وحقق أركان الإسلام، وحقق بعض الأخلاق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه كلها من ألفاظ الوعد، ترد إلى ما يفصلها، وبعض الناس يقول: أنا أدعو ولا أجد أن الله فرج عني كربتي، فلعله تخلفت عنده شروط ووجدت عنده موانع، فالإنسان عندما يدعو الله عز وجل ولا يستجاب له، فلا يعني ذلك أن وعد الله يخلف، ولا يعني أن خبر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً يخلف، بل يعني ذلك أن الموانع قد خفيت عليه، أو أن الذهول والغفلة جعلت الإنسان يقع في موانع إجابة الدعاء، وعدم تحقق الشروط وهو لا يدري، فهو معرض للخطأ والنسيان، والسهو والخلل، والأهواء والأدواء، وأمراض النفوس، وكيد الشيطان، فكل هذه الأمور صوارف عن الحق، وصوارف عن أسباب الأخذ بدواعي الإجابة، لذا فليعلم الإنسان أنه لو دعا ولم يجد نتيجة الدعاء أنه قد أوتي من قبل العمل، ومع ذلك غالباً أن من كرر الدعاء يستجاب له؛ لأن كثيراً ممن يدعون الله يستعجلون الإجابة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم شرط في إجابة الدعاء: (ما لم يعجل) وكذلك لابد أن يكون من قلب حاضر لا من قلب لاه أو ساه، وأن يكون ذلك مسبوقاً بالعمل بالواجبات والأركان، فلا يكون الإنسان مخلاً بالفرائض، ثم يريد أن يتحقق له ما طلبه من ربه عز وجل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015