قال رحمه الله تعالى: [وقد تقدم أن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به].
هذه قاعدة جديدة متفرعة عن القواعد السابقة، إذ إن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به، لكن على نحو مختلف، فالكمال الذي ثبت للمخلوق كمال نسبي محدود يعتريه الضعف والنقص والفناء والخلل، بينما الله عز وجل له الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص.
هذه القاعدة تنطبق على ما يسمى بالمفردات والجزئيات، فإذا قلنا: إن الله عز وجل ثبت له العلم، ومن البشر من أعطاه الله علماً على وجه الكمال بين البشر، إذ إن أكمل الناس علماً هم الأنبياء، وأكمل الأنبياء علماً هو النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فعلمه محدود؛ لأن الله لم يطلعه من العلم إلا على الشيء اليسير، بعكس ما تدعيه أصحاب الطرق والفرق والأهواء، فليس عنده من علم الله إلا ما علّمه الله إياه، ولم يطّلع من أمر الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، فإذاً علمه محدود، مع أنه يُقال فيه: أكمل الخلق علماً.
إذاً: هذا العلم يُثبت لله على صفة الكمال، ويُثبت للمخلوقين على صفة يناسبهم، وكذلك الحكمة والإرادة وغيرها، إذ هي كمالات، والله عز وجل يُكمل بها بعض خلقه، لكنه كمال نسبي، أما الكمال المطلق في جميع هذه الأمور وغيرها فهو لله سبحانه.