سننتقل إلى فصل جديد في طرق الإثبات، وسنأخذه على سبيل الإيجاز والتلخيص، والفصل فيه قواعد وأصول وتفصيلات لهذه الأصول، ولا يهمنا التفصيلات والأمثلة؛ لأن فيها نوعاً من الصعوبة الذي قد يتسبب في تشويش الفهم.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المقام لم يكتب لطلاب العلم وأهل السنة فقط، بل كتب لصنفين: للمتكلمين، ولمن تأثر من طلاب العلم بمذاهب المتكلمين في أسماء الله وصفاته، أما عامة طلاب العلم فهذا لا يصلح لهم، وليسوا بحاجة إليه، إلا القواعد العامة كما ذكرت.
وفي هذا الفصل لا نحتاج إلى أن نقرأ، وإنما نحتاج إلى أنكم تتبعون معي القواعد في مظانها، ثم نتجاوز جزءاً كبيراً من الفصل.
والشيخ رحمه الله تعالى هنا يتكلم عن الطرق المشروعة وغير المشروعة في مسألة إثبات أسماء الله وصفاته وأفعاله، والنفي كذلك، لكن هنا ركّز على الإثبات، وسيأتي كلامه على النفي فيما بعد.
فيقول: إن طرق إثبات أسماء الله وصفاته هي الطرق الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة، وما تضمنته من قواعد وأصول شرعية وعقلية، ثم الطرق العقلية التي توافق البراهين القرآنية، والتي جاءت بتثبيت الطريقة الشرعية.
وإثبات الأسماء والصفات لله عز وجل أولاً: يعتمد على السمع، أي: على الوحي، والوحي له في الإثبات طريقتان: الطريقة الأولى: إثبات تفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله ومفرداته، مثل: العلم، والحكمة، والإرادة ونحو ذلك.
الطريقة الثانية: إثبات قواعد أو أصول الكمال لله عز وجل التي تتضمن الأسماء والصفات والأفعال.
والثاني: هي الطرق العقلية التي يقول بها العقلاء، والتي توافق قواعد الشرع، فقد تكون غير واردة في الكتاب والسنة، لكنها صحيحة في السبر والاستقراء، وفي التمعن والتدبر، وفي صريح العقل السليم والفطرة، إذ هي أصول يستدل بها عقلاء الناس على إثبات الكمال لله عز وجل في أسمائه وصفاته وأفعاله على جهة الإجمال، وفي بعض التفاصيل، وليس كل التفاصيل؛ لأن العقول لا سبيل لها في إدراك التفاصيل بأسماء الله وصفاته في كل الأمور، فالعقول السليمة تُدرك الإجماليات، وبعض الأمثلة على التفاصيل التي توافق الشرع، فهذا ما أراد أن يقوله الشيخ في أول هذا الفصل.