الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فبعون الله وتوفيقه نبدأ درسنا اليوم إن شاء الله في المجلد الثالث ضمن الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأوله: كتاب التدمرية؛ وسمي بذلك لأنه ألفه في (تدمر) من بلاد الشام، وهو من الكتب التي تعتبر مرجع التأصيل والتقعيد في منهج أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات والقدر.
قال الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني رضي الله عنه وأرضاه: [الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات، وفي الشرع والقدر، لمسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين].
هذان الأصلان يدور عليهما أكثر الكتاب، بل كل الكتاب، والكلام في التوحيد والصفات منشؤه الخبر، أو يدخل تحت الأخبار، والمقصود بالخبر هنا ما أخبر الله به، وما علمه خلقه أو بعض خلقه، سواء من الأمور المعرفية الفطرية، ككثير من أمور توحيد الربوبية، فإنها علمية، سواء جاءت عن طريق الوحي أو مقتضى الفطرة، فهي خبرية علمية، وأكثر تفاصيلها إنما جاءت عن طريق الخبر، يعني: عن طريق الوحي، لكن مع ذلك يدخل فيها بعض الأمور العلمية الفطرية التي فطر الله الناس عليها.
والآخر: وهو توحيد الأمر والطلب، ويدخل فيه توحيد الشرع والقدر، وتوحيد الإلهية كله، وهو مبني على الشرع، أي: مبني على شرع الله وما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: عندنا أصلان: الأول: ما يتعلق بالتوحيد الخبري، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات، وكثير من مسائل القدر؛ لأن القدر سيدخل في جانبين: في جانب الأمر، وفي جانب الخبر.
والثاني: التوحيد العملي الإرادي، وهو ما يتعلق بتوحيد الإلهية الذي يرتكز على الأمر والشرع.