ذكر مسألة مهمة، فقال: (ولهذا لما اطّلع الأئمة على أن هذا هو حقيقة قول الجهمية سمّوهم معطّلة) أي: حقيقة دعواهم بأن أي إثبات لأي صفة لله يقتضي المشابهة، حتى صفة الوجود، فلذلك نفى هؤلاء الغلاة جميع الأسماء والصفات، وقالوا: لأنها تشعر بالمشابهة، وهذا ربما يكون من باب الإلزام، أي: أنهم أُلزموا بذلك؛ لأنهم وضعوا قاعدة قد يكونون فصّلوا أو لم يفصلوا، فالله أعلم، لكن السلف لم ينقلوا عنهم تفصيل، وإنما نقلوا عنهم هذا المبدأ الهدّام، أعني: مبدأ نفي الاشتراك، حتى اللفظي، إذ إن نفي الاشتراك يقتضي نفي جميع الأسماء والصفات لله عز وجل؛ لأنه لا يمكن أن يخلو الأمر من اشتراك لفظي.
يقول: إن السلف عندما عرفوا هذه القاعدة عند الجهمية -قاعدة: نفي أي مشاركة بين الخالق والمخلوق، حتى وإن كانت لفظية- أدركوا أنهم معطّلة، وسمّوهم بذلك، ولذلك قال: (وكان جهم ينكر أن يسمى الله شيئاً)؛ لأن هذا يلزمه بإثبات الوجود، والوجود لا بد أن يتضمن الصفات، فما من موجود إلا ويكون موصوفاً، ولذلك فهو يرى الحلول كما أُثر عنه، فقد خرج من خلوته التي خلا به الشيطان إلى الإلحاد الكامل، يقولون: إنه خرج من خلوته وقال: هو ذا في الهواء، هو ذا في كل شيء، يعني: الله عز وجل، تعالى الله عما يقول.
يقول: (وربما قالت الجهمية: هو شيء لا كالأشياء) نعم قد يكون هذا حقاً من وجه، وباطلاً من وجه، فهو شيء لا كالأشياء، لكن قوله: (لا كالأشياء) بمعنى: أنه لا يوصف ولا يسمى! وهذا باطل، ثم قال: (فإذا نفى القدر المشترك مطلقاً لزم التعطيل التام).