أذكركم بالقاعدة فيما يتعلق بصفات الله عز وجل ما ينفى فيها وما يثبت، وهذه القاعدة لم يذكرها الشيخ بعينها، لكنها فهمت من فحوى كلامه فهماً واضحاً من خلال مناقشة القضية: الضابط الذي يعرف به ما يجوز على الله وما لا يجوز هو أنه يثبت ما أثبته الله لنفسه ويثبت لله كل كمال لا نقص فيه، وهذه قاعدة جاءت بها النصوص؛ لأن الله عز وجل قال عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وأيضاً في النفي أن ننفي عن الله عز وجل النقائص، وننفي عن الله كل عيب وكل نقص، ومن ذلك مماثلة المخلوقين، وبقي مسألة المشابهة هذه محل كلام آخر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم من هؤلاء الصفاتية من لا يقول في الصفات: إنها قديمة، بل يقول: الرب بصفاته قديم].
ينبغي أولاً أن نعرف أن المقصود بالصفاتية هم الذين يثبتون الصفات بما فيهم أهل التأويل، ولذا فكلمة (صفاتية) لا تعني الإشارة إلى فرقة معينة؛ لأن الموقف العام تجاه الصفات إما إثبات أو نفي، فالجهمية لا يسمون صفاتية؛ لأن فيهم الفلاسفة والباطنية وغيرهم ممن ينفون الصفات مطلقاً، لكن الذين وافقوا الجهمية في نفي بعض الصفات، أو في تأويلها يسمون: صفاتية.
إذاً: الصفاتية: هم كل من أثبت شيئاً من الصفات، سواء الذين يثبتون جميع الصفات الواردة، وهم أهل السنة والجماعة، أو الذين يثبتون بعض الصفات دون بعض، كالمعتزلة وأهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية، بل وحتى الذين بالغوا في الإثبات إلى حد البدعة، مثل المشبهة والممثلة، فهؤلاء يسمون صفاتية؛ لأنهم يثبتون، سواء غلوا في الإثبات، أو غلوا في النفي، ثم ذكر الشيخ أنهم قد اختلفوا، وذكر أن منهم من لا يقول في الصفات: إنها قديمة، وهذا الكلام فلسفة، وكنت أتوقع أن ينشأ سؤال منكم يقول: أي هذه الأقوال هو الحق؟ وعلى أي حال أؤجل الجواب عليه حتى ننتهي من المقطع؛ من أجل أن تتصوروا المسألة.
قال رحمه الله تعالى: [بل يقول: الرب بصفاته قديم، ومنهم من يقول: هو قديم وصفته قديمة، ولا يقول: هو وصفاته قديمان، ومنهم من يقول: هو وصفاته قديمان، ولكن يقول: ذلك لا يقتضي مشاركة الصفة له في شيء من خصائصه، فإن القدم ليس من خصائص الذات المجردة، بل هو من خصائص الذات الموصوفة بصفات، وإلا فالذات المجردة لا وجود لها عندهم، فضلاً عن أن تختص بالقدم، وقد يقولون: الذات متصفة بالقدم والصفات متصفة بالقدم، وليست الصفات إلهاً ولا رباً، كما أن النبي محدث وصفاته محدثة، وليست صفاته نبياً].
على أي حال هذه كلها فلسفة لا طائل تحتها، والشيخ باختصار ينقل مقالات قد بينها في مقامات أخرى وفي بعض كتبه الأخرى، فهو أراد أن يشير إلى خوض الناس، أو خوض الصفاتية الذين هم المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، ومن شاركهم، مثل: الكلابية والسالمية وفرق أخرى كثيرة، فهؤلاء كلهم اختلفوا اختلافات لا طائل تحتها، وإنما كلها تخرصات وظنون، ولذلك أشار الشيخ إلى أن الذين فرقوا بين الصفة وبين الذات، أو الذين ما فرقوا فقالوا: لأنه لا يتصور ذات بلا صفات، وأن الذات المجردة لا وجود لها في الحقيقة، وهذا حق؛ لأنه لا يمكن ولا يعقل أن يكون هناك وجود لا يقبل الصفات، وإذا كان كذلك فالله عز وجل موجود، ووجوده لا ينفك عن الصفات، كما أن كل موجود لا يمكن أن ينفك عن الصفات؛ لأنه لا يتصور وجود بلا صفات، وكلمة (ذات) مجردة هي الذات المتخيلة، والخيال ليس بشيء.
ولذلك مثل هذا الكلام غالباً يمرض القلوب، ومن هنا نخلص إلى أن مسألة التفريق بين الله وبين صفاته في القدم مسألة بدعية لا أصل لها في الشرع، بل ولا يجوز الخوض فيها، فالله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء.
إذاً: الله عز وجل لم تطرأ له صفات حتى نقول: قديمة وغير قديمة؛ لأنه سبحانه بصفاته موصوف بهذا الكمال المطلق، فيما لا بداية ولا نهاية، وإذا كان الأمر كذلك فالتفريق بين الله وبين صفاته بدعة من جميع الوجوه، سواء التفريق في القدم، أو التفريق في الحدود، أو التفريق في الخصائص، أو أي نوع من التفريق بين الله وبين صفاته، لكن الكلام على مفردات الصفات يأتي بسياقاته، يعني: تأتي أحكام هي التي تتعلق بها ذمم المكلفين، أو بعض المكلفين، فمثلاً: نقسم بالله عز وجل، لكن هل نقسم بصفته؟ نقول: هذا فيه تفصيل، ولا يعني هذا التفريق بين الله وبين صفته؛ لكن نظراً لأنه أحياناً يشتبه الأمر في مسألة ما يتعلق بذات الله عز وجل وبين بعض صفاته قد يحتاج الأمر إلى تفصيل، فمثلاً: (الرحمة) قد يشتبه إطلاق (الرحمة) على صفة الله التي هي صفة ذاتية، من حيث إن الله عز وجل رحيم، وبين (الرحمة) التي هي من خلقه، كالمطر والجنة، فإذا جاء الاشتباه احتجنا إلى التفصيل، لكن لا يعني هذا التفريق بين الله عز وجل وبين صفته من حيث القدم وغيرها.
ونخلص إلى أن هذا الكلام كله لا طائل تحته، وهو من فضول الكلام، والوقوف عنده قسوة للقلوب، لذا