قال رحمه الله تعالى: [وما من شيئين إلا ويجتمعان في شيء، ويفترقان في شيء، فبينهما اشتباه من وجه وافتراق من وجه؛ فلهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه، والقياس الفاسد لا ينضبط، كما قال الإمام أحمد: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس، فالتأويل في الأدلة السمعية والقياس في الأدلة العقلية، وهو كما قال، والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة].
وبهذا يتميز الفرق بين المفهوم العام للإحكام والتشابه، وبين المفهوم الخاص للإحكام والتشابه، يعني: أن القرآن كله محكم وكله متشابه، وتشابهه هو إحكام وإحكامه تشابه، لكن المعنى الخاص للإحكام والتشابه أمر آخر، وهو: أنه يرجع إلى البيان والالتباس، فبعض الناس يلتبس عليه بعض معاني الشرع، حتى الواضحة عند عموم الناس، كما جاء في قصة ذلك الرجل الذي عسر عليه فهم البدهيات، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! لا أعرف دندنتك ولا دندنة معاذ، وإنما أسأل ربي الجنة، وأعوذ به من النار، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: حولها ندندن).
فهذا اشتبه عليه أغلب كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أصيب في الفهم، وهذا هو الاشتباه النسبي، والشيخ ذكر هذه القضية من أجل الرد على الذين قالوا: إن نصوص الصفات ونصوص القدر ونصوص العقيدة من المشتبهات، وهم يقصدون أنه ليس لها معان ولا حقائق، فهو سيقول لهم: إن قصدتم أننا لا نعلم كيفيتها فهذا حق؛ لأن كيفيتها لا يعلمها إلا الله، وإن قصدتم أنه ليس لها حقائق ولا معان فهذا ليس بصحيح، وهذا ما يريد الشيخ أن يصل إليه فيما بعد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.