قال رحمه الله تعالى: [وجمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، وهذا هو المأثور عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب].
جاءت الآية على قراءتين، القراءة المشهورة: الوقف على قوله تعالى: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ))، والوقف هنا يجري عليه تقسيم المحكم والمتشابه إلى أن المحكم المقصود به ما يعلمه الناس، والمتشابه ما لا يعلمه إلا الله، وهذا هو الكيفيات، وعلى هذه القراءة يكون معنى الآية: ما يعلم كيفيات الغيبيات إلا الله، والراسخون يسلّمون بأن هذا حق، ولا يخوضون فيه، وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة.
والقراءة الأخرى أيضاً صحيحة، ولها معنى، وهي ترجع إلى التقسيم الثاني، بمعنى: الإحكام والتشابه، وهي عدم الوقف على لفظ الجلالة في الآية: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7]، أي: أن الذي يتشابه على غير العلماء لا يتشابه على الراسخين من العلماء، وعليه فإن الثابت عند جمهور السلف أن القراءات الصحيحة هي بمثابة النصوص المستقلة، وهذا من إعجاز القرآن وبلاغته، فكأن هذه آية وتلك آية، ولذلك تعدد القراءات في الآيات يُعتبر كأنه عدد آخر للآية، يعني: كل قراءة كأنها آية غير الأخرى، ويبدأ هذا في أول آية من البقرة: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ} [البقرة:1 - 2] في بعض القراءات، وفي بعض القراءات: {فِيهِ هُدًى} [البقرة:2]، وكلها كأنها ست آيات، وما كأنها ثلاث آيات، وهذا من إعجاز القرآن، فالقراءة إذا جاءت صحيحة فهي تحمل معنى صحيحاً غير المعنى التي تحمله القراءة الصحيحة الأخرى.
فإذاً: الوقف على قوله: {إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، يعني: أن هناك من الآيات ما لا يفهم معانيها إلا الله عز وجل، وهي كيفيات أمور الغيب، ومثلها: الحروف المقطّعة وغيرها، فلا نجزم بفهمها؛ لأنها مما استأثر الله بعلمها.
وقراءة الوصل تعني: أن هناك ما يشتبه على أغلب الناس، ولا يشتبه على الراسخين في العلم.
قال رحمه الله تعالى: [وقد روي عن مجاهد وطائفة: أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله، وقد قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس رضي الله عنهما من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عن تفسيرها].