قال شيخ الإسلام رحمه الله: [وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتفق على معناها، والظاهر هو المراد في الجميع، فإن الله لما أخبر أنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، واتفق أهل السنة وأئمة المسلمين على أن هذا ظاهره، وأن ظاهر ذلك مراد، كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا، وقدرته كقدرتنا].
المقصود بأن ظاهر النصوص مراد عند السلف، ويقصد بها الحقيقة، فإذا قلنا: النصوص جاءت لإثبات علم الله، نقول: علم حقيقي يليق بجلاله، وكذلك: السمع، فهو سمع حقيقي يليق بجلاله، ومثله: البصر، فهو بصر حقيقي يليق بجلاله.
إذاً: قول السلف: يراد بالنصوص ظاهرها، أي: أن الله قد خاطبنا وأخبرنا بحق على الحقيقة، ليس فيه لبس ولا تغيير ولا مجازات ولا تأويلات، وأن الحقيقة غير الكيفية، والظاهر يطلق على أمرين: الأول: يطلق على الحقيقة، وهي لاشك أنها تثبت لله.
الثاني: يطلق على الكيفية الظاهرة المعلومة من شواهد الخلق، وهذا جزماً أنه لا يثبت لله عز وجل؛ لأن الله ليس كمثله شيء.
قال رحمه الله: [وكذلك لما اتفقوا على أنه حي حقيقة، عالم حقيقة، قادر حقيقة، لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حي عليم قدير.
فكذلك إذا قالوا في قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]: إنه على ظاهره لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواء كاستواء المخلوق، ولا حباً كحبه، ولا رضاً كرضاه.
فإن كان المستمع يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين].
قوله: (فإن كان المستمع)، أي: لكلام الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، في صفات الله ونحوها من الأمور الغيبية.
يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين.
قال بعد ذلك رحمه الله: [لزمه ألا يكون شيء من ظاهر ذلك مراداً، وإن كان يعتقد أن ظاهرها ما يليق بالخالق ويختص به، لم يكن له نفي هذا الظاهر].
وهو الحق.
قال رحمه الله تعالى: [ونفي أن يكون مراداً إلا بدليل يدل على النفي، وليس في العقل ولا السمع ما ينفي هذا إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات، فيكون الكلام في الجميع واحداً.
وبيان هذا أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام، وهي أبعاض لنا كالوجه واليد، ومنها ما هو معان وأعراض، وهي قائمة بنا كالسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة.
ثم إن من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير، لم يقل المسلمون: إن ظاهر هذا غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا، فكذلك لما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيديه لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه كمفهومه في حقنا، بل صفة الموصوف تناسبه].
هو رحمه الله يذكر العلة ولا يقصد بذلك الخبر، يقول رحمه الله: ثم إن من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير، لم يقل المسلمون -أي: السلف الصالح من الصحابة والتابعين، الذين لم يأت عندهم التأويل-: إن ظاهر هذا غير مراد، وفسروا لنا القرآن، وارجعوا إلى تفسير ابن جرير رحمه الله، ذلك الكنز الذي لم يعرف الناس قدره، لذا لم تكن هذه التفسيرات التأويلية عند الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، بل ما قالوا: إن ظاهر صفات الله غير مرادة، بدعوى أن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا، كما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيديه لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد، بدعوى أن مفهوم ذلك في حقه كمفهومه في حقنا، بل صفة الموصوف تناسبه، فهو يذكر الدعوى لا ليقرر مذهبهم على سبيل الإقرار.
قال رحمه الله: [فإذا كانت نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين، فصفاته كذاته ليست كصفات المخلوقين، ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه، وليس المنسوب كالمنسوب، ولا المنسوب إليه كالمنسوب إليه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر)، فشبه الرؤية بالرؤية، ولم يشبه المرئي بالمرئي].