ومنهم من قال: العمل ما يحتاج إلى علاج ومشقة، والفعل أعم من ذلك، ومنهم من قال: العمل ما يحصل منه تأثير في المعمول، كعمل الطين آجراً، والفعل أهم من ذلك، كل هذا من كلام الحفاظ ابن رجب -رحمه الله-وما يليه أيضاً، ومنهم من قال: العمل أشرف من الفعل، فلا يطلق العمل إلا على ما فيه شرفٌ ورفعة بخلاف الفعل، فإن مقلوب عمل لمع، ومعناه ظهر وأشرف، وهذا فيه نظر -يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله- وهذا فيه نظر، لماذا؟ يقول: فإن عمل السيئات يسمى أعمالاً، كما قال تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [(123) سورة النساء] وقال: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [(40) سورة غافر]، ولو قيل عكس هذا لكان متوجهاً، فإن الله تعالى إنما يضيف إلى نفسه الفعل كقوله تعالى: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [(45) سورة إبراهيم]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [(18) سورة الحج]، وإنما أضاف العمل إلى يديه كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [(71) سورة يس]، وليس المراد هنا الصفة الذاتية بغير إشكال، وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم -عليه السلام-، واشتق سبحانه لنفسه أسماء من الفعل دون العمل، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [(107) سورة هود].
ثم قال ابن رجب -رحمه الله- في موضع آخر من شرحه للبخاري: "إن العمل يتناول القول، ويعتبر له النية"، وصرح أبو عبيد القاسم بن سلام -النسخة المطبوعة من شرح ابن رجب- فيها خرج وصوابها صرح صرح أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الطلاق له بدخول القول في العمل، وأن الأقوال تدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((الأعمال بالنيات)) وأبو عبيد محله من معرفة لغة العرب المحل الذي لا يجهله عالم"، هذا كلام ابن رجب -رحمة الله عليه-.