عبدِ اللهِ بنُ منده وكذلكَ لو رآهُ قبلَ النبوَّةِ ثمَّ غابَ عنهُ، وعاشَ إلى بعدِ زمنِ البعثةِ، وأسلمَ ثمَّ ماتَ، ولمْ يرهُ ولمْ أرَ مَنْ تَعرَّضَ لذلكَ، ويدلُّ على أنَّ المرادَ مَنْ رآهُ بَعْدَ نبوَّتِهِ أنَّهم ترجموا في الصحابةِ لمنْ وُلِدَ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَ النبوةِ، كإبراهيمَ، وعبد اللهِ، ولم يترجموا لمنْ ولِدَ قبلَ النبوةِ وماتَ قبلها كالقاسمِ وكذلكَ أيضاً ما المرادُ بقولهم مَنْ رآهُ؟ هلِ المرادُ رؤيتُهُ لهُ معَ تمييزهِ، وعقلهِ؟ حتى لا يدخلَ الأطفالُ الذينَ حَنَّكَهُمْ ولمْ يروهُ بعدَ التمييزِ، ولا مَنْ رآهُ وهو لا يعقلُ، أو المرادُ أعمُّ مِنْ ذلكَ؟ ويدلُّ على اعتبارِ التمييزِ معَ الرؤيةِ ما قالَهُ شيخُنا الحافظُ أبو سعيدٍ بنُ العلائي في كتابِ المراسيل في ترجمةِ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ حنَّكهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعا لهُ ولا صحبةَ لهُ بلْ ولا رؤيةَ أيضاً، وحديثهُ مرسلٌ قطعاً وكذلكَ قالَ في ترجمةِ عبدِ اللهِ بنِ أبي طلحةَ الأنصاريِّ حنَّكهُ ودعا لهُ، ولا تُعرفُ لهُ رؤيةٌ، بلْ هوَ تابِعيُّ وحديثُهُ مرسلٌ
والقول الثاني أنَّهُ مَنْ طالتْ صحبتُهُ لهُ، وكثرتْ مجالستُهُ على طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخذِ عنهُ حكاهُ أبو المُظَفَّرِ السَّمْعَانيُّ، عنِ الأصوليينَ، وقالَ إنَّ اسمَ الصحابيِّ يقعُ على ذلكَ مِنْ حيثُ اللغةُ والظاهرُ، قال وأصحابُ الحديثِ يطلِقونَ اسمَ الصحبةِ على كلِّ مَنْ روى عنهُ حديثاً، أو كلمةً، ويتوسَّعُونَ حتَّى يَعدُّونَ مَنْ رآهُ رؤيةً مِنَ