واستعدَّ لذلكَ، فليبادرْ إليهِ. فقد قالَ الخطيبُ: قَلَّمَا يتمهَّرُ في علمِ الحديثِ ويقِفُ على غوامضِهِ، ويَستبينُ الْخَفِيَّ مِنْ فوائدِهِ؛ إلاَّ مَنْ جَمَعَ متفرِّقَهُ، وأَلَّفَ مُتَشَتِّتَهُ، وضمَّ بعضَهُ إلى بَعْضٍ، واشتغلَ بتصنيفِ أبوابِهِ، وترتيبِ أصنافِهِ فإنَّ ذلكَ الفِعلَ مما يُقوِّي النَّفْسَ، ويُثَبِّتُ الحِفْظَ، ويُذْكي القلبَ، ويَشْحَذُ الطَّبْعَ، ويبسطُ اللسانَ، ويجيدُ البيانَ، ويكشِفُ الْمُشْتَبِهَ، ويوضحُ الْمُلْتَبِسَ، ويُكْسِبُ أيضاً جَمِيْلَ الذِّكْرِ، ويخلِّدُهُ إلى آخرِ الدهرِ، كما قالَ الشاعرُ:
يَمُوْتُ قَوْمٌ فَيُحْيِي الْعِلْمُ ذِكْرَهُمُ ... وَالْجَهْلُ يُلْحِقُ أَحْيَاءً بِأَمْوَاتِ
قالَ: وكانَ بعضُ شيوخِنِا يقولُ: مَنْ أرادَ الفائدةَ فَلْيَكْسِرْ قلمَ النَّسْخِ، وليأخُذْ قلمَ التَّخْرِيجِ. وروينا عن الحافظِ أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ الصُّوريِّ، قالَ: رأيتُ عبدَ الغنيِّ بنَ سعيدٍ الحافظَ في المنامِ، فقالَ لي: يا أبا عبدِ اللهِ، خَرِّجْ وصنِّفْ قبلَ أنْ يُحَالَ بينكَ وبينَهُ، هذا أنا قدْ تَراني قد حِيْلَ بيني وبينَ ذلكَ.
ثمَّ إنَّ للعلماءِ في تصنيفِ الحديثِ، وجمعهِ، طريقتينِ.
إحداهُما: تصنيفُهُ على الأبوابِ على أحكامِ الفقهِ وغيرِها، كالكتبِ الستةِ، والموطَّأ، وبقيةِ المصنفاتِ.
والثانيةُ: تصنيفُهُ على مسانيدِ الصحابةِ، كُلُّ مُسْنَدٍ على حدَةٍ، كما تقدَّمَ.