اختلفوا في جوازِ روايةِ الراويِ من كتابه الذي لم يُعارَضْ، فقالَ القاضي عياضٌ: لا يَحِلُّ للمسلمِ التقيِّ الروايةُ مما لم يُقابِلْ بأصلِ شيخِهِ، أو نسخةٍ تحقَّقَ ووَثِقَ بمقابلتِها بالأَصْلِ، وتكونُ مقابلتُه لذلك مَعَ الثقةِ المأمونِ على ما ينظرُ فيهِ. فإذا جاءَ حرفٌ مُشِكلٌ نظرَ معهَ حتى يحقِّقُوا ذلكَ. وذهبَ الأستاذُ أبو إسحاق الإسفرايينيُّ إلى الجوازِ، وسُئِلَ أبو بكرٍ الإسماعيليُّ هل للرَجُلِ أَنْ يُحَدِّثَ بما كَتَبَ عن الشيخِ ولم يُعارِضْ بأَصْلِه؟ قالَ: نَعَمْ. ولكنْ لابُدَّ أنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يُعارِضْ. وإليهِ ذهبَ أبو بكرٍ البرقانيُّ، وأجازَهُ الخطيبُ بشرطِ أَنْ تكونَ سختُهُ نُقِلَتْ من الأَصلِ، وأن يُبَيِّنَ عِنْدَ الروايةِ أَنَّهُ لَمْ يُعارضْ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ولابُدَّ مِنْ شرطٍ ثالثٍ، وهو أَنْ يكونَ ناسخُ النُّسْخَةِ من الأَصْلِ غيرَ سَقِيْمِ النقلِ، بل صحيحَ النقلِ، قليلَ السَّقَطِ، ثُمَّ إِنَّهُ ينبغي أَنْ يُرَاعيَ في كتابِ شيخِهِ بالنسبةِ إلى مَنْ فَوْقَهُ مثلَ ما ذكرنا أَنَّهُ يراعيهِ من كتابِهِ ولا يكونَنَّ كَمنْ إذا رأى سماعَ شيخٍ لكتابٍ قرأهُ عليهِ مِنْ أيِّ نسخةٍ اتفقتْ. والتَّهَوُّرُ: الوقوعُ في الشيءِ بقلَّةِ مبالاةٍ، قالَهُ الجوهريُّ.