معنى الإجازَةِ للشيءِ المُعَيَّنِ من التصانيفِ المشهورةِ والأَحاديثِ المعروفةِ المُعَيَّنَةِ، ولا فرقَ بين إجازتِهِ إيَّاهُ أَنْ يُحَدِّثَ عنه بكتابِ " الموطأ " وهوَ غائبٌ أو حاضرٌ، إذ المقصودُ تعيينُ ما أَجَازَهُ لهُ. لكنْ قديماً وحديثاً شيوخُنُا من أَهلِ الحديث يَرَوْنَ لهذا مزيةً على الإجازةِ. قال: - ولا مزيةَ له عند مشايخِنا من أَهلِ النظرِ والتحقيقِ، بخلاف الوُجُوْهِ الأُوَلِ.
فقولي: (عِنْدَ المُحَقِّقينَ) مما زِدْتُهُ على ابنِ الصَّلاحِ من كلامِ القاضي عياضٍ. وابنُ الصلاحِ إنَّمَا حَكَى هذا عن غيرِ واحدٍ من الفقهاءِ والأُصوليينَ لا عن أَهلِ التحقيقِ، كما قالَ عياضٌ، واللهُ أعلمُ.
ومن صُوَرِ المناولةِ: أنْ يُحْضِرَ الطالبُ الكتابَ للشيخِ، فيقولَ: هذا روايتُكَ فناولْنِيْهِ وأَجِزْ لي روايتَهُ فلا ينظرُ فيه الشيخُ، ولا يتحقَقُ أَنَّهُ روايتُه، ولكنِ اعتمدَ خبرَ الطالبِ، والطالبُ ثقةٌ، يُعتمَدُ على مثلِهِ، فَأجابَهُ إلى ذلكَ؛ صحتِ المناولةُ والإجازةُ. وإنْ لم يكنِ الطالبُ موثوقاً بخبرِهِ ومعرفتِهِ، فإنَّهُ لا تجوزُ هذهِ المناولةُ، ولا تصحُّ، ولا الإجازةُ فإنْ ناولَهُ وأَجازَهُ، ثُمَّ تبيَّنَ بعدَ ذلكَ بخبرِ ثقةٍ يُعتمدُ عليه: أَنَّ ذلك كان من سماعِ الشيخِ أو مِنْ مرويَّاتِه فهل يُحكَمُ بصحةِ المناولةِ والإجازة السابقتَيْنِ؟ لَمْ يَنُصَّ عَلَى هذهِ صريحاً ابنُ الصلاحِ، وعمومُ كلامهِ يقتضي: أنَّ ذَلِكَ لا يصحُّ. وَلَمْ أرَهَ أيضاً في كلامِ غيرِهِ، إلاَّ في عمومِ كلامِ الخطيبِ الآتي. والظاهرُ الصحَّةُ؛ لأَنَّهُ تبيَّنَ بعدَ ذلكَ صحَّةُ سماعِ الشيخِ لما ناولَهُ وأجازَهُ، وزالَ ما كنَّا نخشى من عدمِ ثقةِ المُخْبِرِ، واللهُ أعلمُ. قالَ الخطيبُ: ولو قالَ: حَدِّثْ بما في هذا الكتابِ عنِّي إنْ كانَ مِنْ حَدِيْثِي، مع براءَتي