وممَّا يدلُّ على اعتبارِ التمييزِ في صحةِ سماعِ الصبيِّ، قولُ أحمدَ وقدْ سُئِلَ: مَتَى يصحُّ سماعُ الصبيِّ للحديثِ؟ فقالَ: إذا عَقَلَ وَضَبَطَ. فَذُكرَ لهُ عَنْ رجلٍ أنَّهُ قالَ: لا يجورُ سماعُهُ حَتَّى يكونَ له خمسَ عَشْرَةَ سنةً، فأنكرَ قولَهُ، وقالَ: بئسَ القولُ. وهذا هو القولُ الثالثُ.
والقولُ الرابعُ: وهو قولُ موسى بنِ هارونَ الحمَّالِ، وقد سُئِلَ متى يجوزُ سماعُ الصبيِّ للحديثِ؟ فقالَ: إذا فَرَّقَ بَيْنَ البقرةِ والدابَّةِ، وفي روايةٍ بَيْنَ البَقَرَةِ والحِمَاْرِ. وقولي: (وابنُ الْمُقْرِيْ) هُوَ مبتدأٌ ليسَ معطوفاً عَلَى الحمَّالِ. والذي سمعَ لهُ ابنُ المقرئ هُوَ الْقَاضِي أبو محمدٍ عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ اللَّبانِ الأصبهانيُّ. فروينا عَنْ الخطيبِ قالَ: سمعتُهُ يقولُ: حفِظْتُ القرآنَ ولي خمسُ سنينَ، وأُحْضِرْتُ عِنْدَ أبي بكرِ بنِ المقري، ولي أربعُ سنينَ، فأرادوا أن يُسَمِّعُوا لي فِيْمَا حَضَرْتُ قراءتَهُ، فَقَالَ بعضُهُم: إنَّهُ يصغرُ عَنْ السماعِ! فقالَ لي ابنُ المقرئ: اقرأْْ سورةَ ((الكافرون)) ، فقرأتُها. فقالَ: اقرأْ سورةَ ((التكويرِ)) ، فقرأتها. فقالَ لي غيرُهُ: اقرأْ سورةَ و ((المرسلاتِ)) ، فقرأتها، وَلَمْ أَغلطْ فِيْهَا. فَقَالَ ابنُ المقرئ: سمِّعوا لَهُ والعُهْدَةُ عليَّ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: بَلَغَنَا عنْ إبراهيمَ بنِ سعيدٍ الْجَوْهَرِيِّ، قالَ: رأيتُ صبيَّاً ابنَ أربعِ