والثالثُ: إنْ كانَ الراويانِ، أو الرواةُ عنه فيهم مَنْ لا يَروِي عن غيرِ عَدْلٍ قُبِلَ، وإلاَّ فلاَ.
والقسمُ الثالثُ: مجهولُ العدالةِ الباطنةِ، وهو عدلٌ في الظاهرِ، فهذا يحتَجُّ به بعضُ مَنْ رَدَّ القسمَينِ الأولَينِ، وبهِ قطعَ الإمامُ سُلَيمُ بنُ أيوبَ الرازيُّ، قال: لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ بالراوي؛ لأنَّ روايةَ الأخبارِ تكونُ عندَ مَنْ تَتَعذَّرُ عليه معرفةُ العدالةِ في الباطنِ، فاقتُصِرَ فيها على معرفةِ ذلك في الظاهرِ. وتُفَارِقُ الشهادَةَ، فإنَّها تكونُ عند الحُكَّامِ، ولا يتعذّرُ عليهم ذلكَ، فاعتُبِرَ فيها العدالةُ في الظاهرِ والباطنِ. قالَ ابنُ الصّلاحِ: ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم، وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم، واللهُ أعلمُ. وأطلقَ الشافعيُّ كلامَهُ في اختلافِ الحديثِ أنَّهُ لا يحتجُّ بالمجهولِ، وحكى البيهقيُّ في " المدخلِ ": أنَّ الشافعيَّ لا يحتجُّ بأحاديثِ المجهولينَ. ولما ذكرَ ابنُ الصلاحِ هذا القسمَ الأخيرَ، قال: وهو المستورُ، فقد قال بعضُ أئمتِنا: المَسْتُورُ مَنْ يكونُ عَدْلاً في الظَّاهرِ، ولا تُعْرَفُ عدالتُهُ باطناً. انتهى كلامُه. وهذا الذي نَقَلَ كلامَهُ آخراً، ولم يسمِّهِ، هو البغويُّ، فهذا لفظُهُ بحروفِهِ في " التهذيبِ "، وتَبِعهُ