" المنخولِ " تَبَعاً له؛ عن القاضي أبي بكرٍ. والظاهرُ أنّهُ وَهْمٌ منهما، والمعروفُ عنه أنّهُ لا يجبُ ذكرُ أسبابِهِما معاً، كما سيأتي.
والقولُ الثالثُ: أنَّهُ لابدَّ من ذكرِ أسبابِ العدالةِ والجرحِ معاً. حكاهُ الخطيبُ، والأصوليونَ، قالوا: وكما قد يجرحُ الجارحُ بما لا يَقْدحُ، كذلك قد يوثّقُ المُعَدِّلُ بما لا يقتضي العدالةَ. كما روى يعقوبُ الفَسَويُّ في " تاريخه "، قال: سمعتُ إنساناً يقولُ لأحمدَ بنِ يونسَ: عبدُ اللهِ العمريُّ ضعيفٌ. قال: إنّما يضعّفُهُ رافضيٌّ مبغِضٌ لآبائِهِ، لو رأيتَ لحيتَهُ، وخِضابَهُ، وهيئتَهُ؛ لعرفتَ أنّهُ ثقةٌ. فاستدلَّ أحمدُ بنُ يونسَ على ثقتِهِ بما ليسَ بحجّة، لأنَّ حُسنَ الهيئةِ يشتركُ فيه العَدْلُ والمجروحُ.
والقولُ الرابعُ: عكسُهُ: أنّهُ لا يجبُ ذكرُ سببٍ واحدٍ منهما، إذا كانَ الجارحُ والمعدِّلُ عالماً بصيراً. وهو اختيارُ القاضي أبي بكرٍ، ونقلَهُ عن الجمهورِ فقال: قالَ الجمهورُ من أهلِ العلمِ: إذا جَرَحَ مَنْ لا يعرفُ الجَرْحَ، يجبُ الكشفُ عن ذلكَ. ولم يوجبوا ذلك على أهلِ العلمِ بهذا الشأنِ. قال: والذي يقوِّي عندنا تركُ الكشفِ عن ذلك، إذا كان الجارحُ عالماً، كما لا يجبُ استفسارُ المعدِّلِ عمّا بهِ صارَ عندَهُ المزكّى عدلاً، إلى آخرِ كلامِهِ. وممَّن حكاهُ عن القاضي أبي بكرٍ، الغزاليُّ في "المستصفى" خلافَ ما حكاهُ عنه في " المنخولِ ". وما ذَكَرَهُ عنه في " المستصفى " هو الذي حكاهُ صاحبُ " المحصولِ "، والآمديُّ، وهو المعروفُ عن القاضي، كما رواهُ