وهو لم يجعلْهُ مرسلاً من حيثُ لفظُ: أنَّ، وإنّما جعلَهُ مرسلاً من حيثُ أنّهُ لم يُسنِدْ حكايةَ القصةِ إلى عمّارٍ، وإلا فلو قالَ: إنَّ عمّاراً قال: مررتُ بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لما جعلَهُ مرسلاً، فلما أتى به بلفظِ: أنَّ عماراً مرَّ، كانَ محمدُ بنُ الحنفيةِ هو الحاكي لقصّةٍ لم يُدركْهَا؛ لأنَّهُ لَمْ يُدرِكْ مرورَ عمارٍ بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكانَ نَقْلُهُ لِذَلِكَ مرسلاً. ثُمَّ بينتُ ذَلِكَ بقاعدةٍ يُعرفُ بِهَا المتصلُ من المرسلِ بقولي: (قلتُ) ، وهو من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ، إلا حكايةَ كلامِ أحمدَ ويعقوبَ.

وتقريرُ هذهِ القاعدةِ: أنَّ الراوي إذا رَوَى حديثاً فيه قِصّةٌ، أو واقعةٌ، فإن كان أدركَ ما رواهُ، بأنْحكى قصةً وقعت بين النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبينَ بعضِ الصحابةِ، والراوي لذلك صحابيٌّ أدركَ تلك الواقعةَ، فهي محكومٌ لها بالاتصالِ، وإنْ لم يُعلَمْ أنّهُ شاهدَها وإنْ لم يدركْ تلك الواقعةَ، فهو مرسلُ صحابيٍّ. وإن كان الراوي تابعياً، فهو منقطعٌ، وإن روى التابعيُّ عن الصحابيِّ قِصَّةً أدركَ وُقوعَها، كان متّصلاً، وإن لم يدركْ وُقوعَها، وأسندَها إلى الصحابيِّ كانت متّصلةً. وإنْ لم يدركْهَا، ولا أسندَ حكايتَها إلى الصحابيِّ فهي منقطعةٌ كروايةِ ابنِ الحنفيةِ الثانيةِ، عن عمّارٍ. ولابُدَّ من اعتبارِ السلامةِ من التدليسِ في التابعينَ، ومَنْ بعدَهم.

وقد حكى أبو عبدِ اللهِ بنُ الموَّاقِ اتفاقَ أهلِ التمييزِ من أهلِ الحديثِ على ذلك في كتابه " بُغية النُّقاد " عند ذكرِ حديث عبدِ الرحمنِ بنِ طَرفةَ أنَّ جدَّهُ عَرْفجةَ قُطِعَ أنفُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015