لكن اعترض على من يقول: بأنه من عطف الخاص على العام أيضاً من جهة أن عطف الخاص على العام من الأحكام المختصة بالواو بين سائر حروف العطف، كما نص عليه ابن مالك (?) في شرح العمدة، وابن هشام (?)
في المغني (?) ، فالصواب أن «أو» على بابها للتقسيم، وجعلت «المرأة» قسماً مقابلاً للدنيا تعظيماً لأمرها لأنها أشد فتنة، وعلى تقدير: أنها عطف الخاص على العام فالنكتة في التصريح بها مع دخولنا في الدنيا أمران: أحدهما التنبيه على زيادة التحذير، لأن الافتتان بها أشد. الثاني: أنها سبب الحديث، فحسن التصريح بها.
وقال بعضهم: ذكر الدنيا تحذير للناس منها، وإفرد المرأة زيادة في التحذير، فقد ورد «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (?) .
وفي وصية لقمان لابنه: «اتق المرأة فإنها تشيبك قبل الشيب، واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير، وكن من خيارهن على حذر» .
وذكر الدنيا في الحديث لأنها حقيرة لا يتبعها إلا الحقير فقد روى الترمذي وقال حسن صحيح عن سهل بن سعد (?) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً شربة ماء» (?) .
وأنشد بعضهم في هذا المعنى:
إذ كان شيء لا يساوي جميعه ... جناح بعوض عند من أنت عبده
واشغل جزء منه كلك ما الذي ... يكون على ذا الحال قدرك عنده
معنى «هوان الدنيا على الله تعالى» : أن سبحانه لم يجعلها مقصودة لنفسها، بل جعلها طريقاً موصلاً إلى ما هو المقصود لنفسه، ولم يجعلها دار إقامة ولا جزاء، وإنما جعلها دار بلاء، وإنه ملكها في الغالب للجهلة والكفرة، وحماها الأنبياء والأولياء والأبدال، وحسبك بها هو أنه سبحانه صغرها وحقرها وأبغضها أو أبغض أهلها