ولأنَّهُ أبلغُ في حصول المقصود، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب على صوتُهُ واشتدَّ غضبُهُ كأنَّهُ مُنذِرُ جيش (?).
فإن قُلْتَ: فقد أنكرَ - صلى الله عليه وسلم - هذا الإنكارَ؟
قُلْتُ: لعلَّ إنكارَهُ - عليه السلام - لأجلِ مُعارِضِ (?) الجهلِ من الأعرابي، وقربِ العهد بالإِسلامِ (?)، والإنكارُ من هذا الوجهِ لا يُنافي الإغلاظَ عندَ عدم هذا المُعارِض، والله أعلم.
الرابعة: فيهِ أنَّ مبادرةَ الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين إلَى الإنكارِ بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن غيرِ مُراجعة، ليسَ من باب التَّقدم بين يدي الله ورسوله، وذلك أنَّهُ قد تقرَّرَ عندهم من الشرعِ ما أوجبَ الإنكارَ، فأمرُ الشرع متقدّمٌ، فلا يكونُ فعلُهُم تقدُّماً (?)، ولا شكَّ أنَّ هذه الواقعةَ الخاصَّة لمْ يتقدَّمْ فيها إذنٌ، فيدلُّ علَى أنَّهُ لا يُشتَرَطُ الإذنُ الخاص، ويُكتفَى بالعامّ، وقد اختلف المُفسرون في معنَى قوله تعالَى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] (?).