يرجعُ إلى أنه قد لا يقدَحُ عند التأمل في حقِّ كثير من المجتهدين، فالاقتصارُ على ما أُجْمعَ عليه تضييعٌ لكثير مما تقوم به الحجةُ عند جمعٍ من العلماء، وذلك مفسدة، ولأنه بعدَ أن يُوثَّقَ الراوي من جهة بعض المزكِّين قد يكون الجَرحُ مُبهماً فيه غيرُ مُفسَّر، ومقتضى قواعد الأصول عند أهله أن لا يُقبَلَ الجرح إلا مفسَّراً، فترك حديثِ مَنْ هو كذلك تضييعٌ أيضا، ولأنه إذا وُثِّقَ قد يكون القدحُ فيه من غير الموثِّقِ بأمر اجتهاديٍّ، فلا يساعده عليه غيرُه.
وقوله: "فإنَّ لكلٍّ منهم مَغزىً قصدَه [وسلكَه] (?)، وطريقًا أعرضَ عنه وتركه": يريدُ أنَّ لكل من أئمة الحديث والفقه طريقًا غيرَ طريق الآخر، فإن الذي يتَبيَّنُ وتقتضيه قواعدُ الأصول والفقه: أنَّ العمدةَ في تصحيح الحديث عدالةُ الراوي وجزمُهُ بالرواية, ونظرُهُم يميل إلى اعتبارِ التجويزِ الذي يمكن معه صدقُ الراوي وعدم غلطه، فمتى حصل ذلك وجاز أن لا يكونَ غلطًا وأمكنَ الجمعُ بين روايته ورواية مَنْ خالفه بوجهٍ من الوجوه الجائزة، لم يُترَكْ حديثه.
وأمَّا أهلُ الحديث: فإنهم قد يرو [و] ن الحديثَ من رواية الثقاتِ العدول، ثم تقوم لهم عللٌ فيه تمنعهم من الحكم بصحته؛ كمخالفة جمعٍ كثير له، أو مَنْ هو أحفظُ منه، أو قيامِ قرينة تؤثر في أنفسهم غلبةَ الظنِّ بغلطه، ولم يجرِ ذلك على قانون واحد يُستعمَلُ في جميع الأحاديث.
ولهذا أقول: إنَّ مَنْ حكى عن أهل الحديث - أو أكثرِهِم -: أنه