الأساس، وعنه يصدر الإجماعُ ويقوم القياس، وما تقدَّم شرعًا تعيَّنَ تقديمُهُ شروعًا، وما كان محمولاً على الرأس لا يَحسُن أن يجعلَ موضوعًا، لكنَّ شرطَ ذلك عندنا أن يحفظَ هذا النظامُ، ويُجعلَ الرأيُّ هو المؤتمُّ والنصُّ هو الإِمام، وتُردُّ المذاهبُ إليه، وتضمُّ الآراء المنتشرةُ حتى تقفَ بين يديه، وأما أن يُجعلَ الفرعُ أصلًا، بردِّ النص إليه بالتكلُّف والتحيُّل، ويُحملَ على أبعدَ المحاملِ بلطافة الوهم وسَعَةِ التخيُّل، ويُركبَ في تقرير الآراء الصعبُ والذَّلولُ، ويعملَ من التأويلات ما تنفرُ عنه النفوسُ وتستنكره العقولُ، فذلك عندنا من أردأ مذهبٍ وأسوأ طريقة، ولا يُعتقَدُ أنه تَحصُلُ معه النصيحةُ للدين على الحقيقة، وكيف يقع أمرٌ مع رجحان مُنافيه، وأنَّى يصحُّ الوزن بميزانٍ مَالَ أحدُ الجانبين فيه؟ ومتى يُنصف حاكمٌ مَلَكَتْهُ عصبيةٌ العصبيةَ؟ وأين يقع الحقُّ من خاطر أخذته العزَّةُ بالحميَّة؟ وأنَّى يُحكَمُ بالعدلْ عند تعادل الطرفين؟ ويظهرُ الجَور عند تَقايُل المُتحرِّفَين (?)؟!
هذا ولما خرج ما أخرجته من كتاب "الإمام في معرفة أحاديث الأحكام"، وكان وضعُه مقتضيًا للاتساع، ومقصودُه موجبًا لامتداد الباع، عَدَل قومٌ عن استحسان إطابته، إلى استخشان إطالته، ونظروا إلى المعنى الحامل عليه، فلم يُفضوا بمناسبته ولا إخالته، فأخذتُ في الإعراض عنهم بالرأي الأحزم، وقلتُ عند سماع قولهم: