وجوب الإيمان بالميزان

قال المؤلف رحمه الله: [والإيمان بالميزان، قال الله عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47]].

يجب الإيمان بالميزان، وأنه ميزان حسي له كفتان عظيمتان ولسان، الكفة أعظم من أطباق السماوات والأرض، والأدلة على هذا كثيرة منها: ما ذكره المؤلف في الآية التي استدل بها: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]، ومنها: قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6 - 11]، وقال سبحانه: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:102 - 103]، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرءوا إن شئتم: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105])، وثبت في الصحيح (أن ابن مسعود رضي الله عنه كان دقيق الساقين، فكشفت الريح عن ساقيه فضحك الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا رسول الله! من دقة ساقيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد).

وأهل السنة والجماعة متفقون على إثبات الميزان، وأنه ميزان حسي، ومن الأدلة على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).

وهو ميزان حسي له كفتان حسيتان توزن فيهما أعمال العباد، حسنها وسيئها.

وأنكرت المعتزلة الميزان الحسي، وقالوا: إنه ليس ميزاناً حسياً، ولكنه ميزان معنوي المراد به العدل، وقالوا: إنه لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال، وأما الرب فلا يحتاج إلى الميزان، وتأولوا بأن المراد به العدل، ولهذا يقول: ابن أبي العز الحنفي: (فلا يلتفت إلى ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام، فإن الله يقلب الأعراض أجساماً، ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط في يوم القيامة كما أخبر الشارع لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال أو الفوال، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً، ولو لم يكن من الحكمة وزن الأعمال إلا ظهور عدل الله لجميع عباده لكفى فلا أحد أحب عليه العذر من الله، ومن أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه).

اختلف العلماء هل هناك موازين متعددة أم أنه ميزان واحد على قولين: من العلماء من قال: إن لكل شخص ميزاناً، وقيل: إنه ميزان واحد عظيم كفتاه عظيمتان، وأما قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ} [الأنبياء:47] فجمعت موازين بالنسبة إلى الأعمال الموزونة، كما جاءت الأدلة بأن لكل نبي من الأنبياء حوضاً ترد عليه أمته، ولكن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم أعظمها وأكثرها وارداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015