حياة الأنبياء والشهداء في الدار الآخرة

الشهداء حياتهم حياة برزخية، قال الله تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران:169] أي: حياة برزخية، ولكنهم أموات بالنسبة إلى أهل الدنيا، وحياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء، والله تعالى قال لنبيه الكريم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] أي: أنه ميت، قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] ومع موت روحه عليه الصلاة والسلام فجسده لا يبلى، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، وقال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه)، فحياة الأنبياء البرزخية أكمل من الشهداء، وهل يبقى جسد الشهيد كما يبقى جسد الأنبياء؟ الله أعلم، لكن وجد من بعض الشهداء من تبقى أجسادهم مدة طويلة دون أن تبلى، وكأنه كلما كانت الشهادة أكمل كان بقاء جسده أطول، وأما الأنبياء فإن أجسادهم لا تأكلها الأرض؛ لأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، ومع ذلك فهم ميتون في أحكام الدنيا، وهم أحياء حياة برزخية؛ لأن الحياة أنواع، وتعلق الروح بالبدن أنواع: فللروح تعلق بالبدن في بطن الأم، وبعد أن تخرج لها تعلق به، ولها تعلق به عند الموت والنوم في البرزخ، وبعد البعث، فهذه خمس تعلقات، وأكملها تعلق الروح به يوم القيامة؛ لأن الأحكام في الدنيا على البدن أكثر منها على الروح، ولهذا يتألم البدن ويتنعم أكثر من الروح، أما في البرزخ إذا مات الإنسان فيكون الألم والنعيم والأحكام على الروح أكثر من الجسد، وفي يوم القيامة تكون الأحكام على الروح والبدن على حد سواء، لذلك فهي أكمل الحالات.

فالجنين في بطن أمه لا يأكل ولا يرضع، وإذا ولد صار يتنفس ويرضع، والنائم روحه تذهب وتجيء وقد تختلط بأرواح الموتى وبغيرهم ولكنها سريعة؛ لأنها خفيفة طبيعتها بحيث أنك إذا ضربت رجله رجعت الروح للنائم في الحال، ولها تعلق به في البرزخ بحيث ترد إليه ويأتيه الملكان ويسألانه: من ربك، وما دينك، ومن نبيك؟ ويضيق عليه في قبره أو يوسع له ويفتح له باب إلى النار أو باب إلى الجنة.

ثم تعلقها به بعد البعث، وهذا أكبر التعلقات، فالروح والبدن كل منهما يأخذ قسطه كاملاً من النعيم أو من العذاب، فالكفار تعذب أرواحهم وأجسادهم، وكل يأخذ قسطاً من العذاب، والمؤمن ينعم بدنه وروحه، وكل منهما يأخذ قسطه كاملاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015