واعلم أن التفرق في الدين له أسبابٌ كثيرة، لكن الذي يجمع هذه الأسباب على اختلافها وتنوعها هو الإعراض عن الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، فبقدر ما يحصل عند الناس من الإعراض عن هذه الأمور يحصل بينهم من الفرقة والاختلاف بقدر إعراضهم؛ لأن الناس إذا أعرضوا عن الكتاب والسنة يرجعون إلى أهوائهم، وإلى آرائهم وأذواقهم، وإلى ما يشتهون ويحبون، وهل هذا مما يتفق فيه الناس؟ الجواب: إن هذا مما يختلف فيه الناس اختلافاً عظيماً، فاختلاف الناس في آرائهم وأقوالهم وعقولهم وما يحبون أشد وأعظم من اختلافهم في ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم، ولو أردنا أن نحصي ما يتكلم به الناس من اللغات فهل نستطيع إحصاءها؟ الجواب: إننا لا نستطيع؛ لأنها كثيرة متنوعة، حتى اللغة الواحدة يتفرع عنها لغات عديدة، فاختلاف الناس في آرائهم وعقولهم أشد من اختلافهم في لغاتهم، وأشد من اختلافهم في ألسنتهم، وأشد من اختلافهم في ألوانهم، ولذلك فالمرجع الذي يجتمع عليه الناس ولا يختلفون فيه ولا يختلفون عليه هو الكتاب والسنة، ولذلك فمن دعا إليهما فهو الداعي إلى الاجتماع، ومن دعا إلى غيرهما فهو الداعي إلى الفرقة.
فعرفنا الجامع لأسباب الفرقة، والجامع لأسباب الاجتماع، فأعظم أسباب الفرقة هو البغي، والبغي: هو مجاوزة الحد ويقابله العلم؛ فإن العلم من أعظم أسباب الاجتماع؛ لأنه كلما كثر علم الإنسان ورسخ كان داعياً إلى الاجتماع ونبذ الفرقة.
ومن البغي الذي يسبب الفرقة والاختلاف الحسد والكبر، والحسد: هو كراهة ما أنعم الله به على الغير ولو لم يتمنَّ زواله.
فكل من كره ما أنعم الله به على غيره في دينٍ أو دنيا فهو حاسد، سواء تمنى أن تزول النعمة أم لم يتمنَّ ذلك، وانتبه إلى هذا؛ لأن بعض الناس يظن أن الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير.
وهذا تعريف قاصر للحسد، بل الحسد: هو أن يكره الإنسان ما منَّ الله به على غيره من النعم الدينية أو النعم الدنيوية.
والكبر أيضاً هو سبب من أسباب الفرقة والاختلاف؛ لأن الكبر يحمل الإنسان على رد الحق، فالمتكبر يأنف ويستعلي أن يأخذ الحق من غيره، ويقول: أنا آخذ الحق من هذا! فما الذي تميز به عليَّ؟ أنا أحسن منه في كذا.
إما في مالٍ، أو في جاه، أو في منصب، أو في نسب، أو في لون، ويرد الحق بسبب كبره، فتقع الفرقة.