قال رحمه الله تعالى: [ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه من العلم والفقه في الدين] .
أصول الدين مسائل الاعتقاد، وفروعه مسائل الفقه، وهذا لا إشكال فيه، فقد أصبح الأمر على خلاف ما أمر الله به، فأصبح الناس يدعون إلى فرقٍ وإلى مذاهب شتى، ويعدون أن الدعوة إلى هذه الفرق وإلى هذه المذاهب وإلى هذه الأحزاب هي الموصلة إلى ما دعت إليه الرسل، والرسل لم تدعُ إلى مذهب معين، إنما دعت إلى عبادة رب العالمين، ودعت إلى صراط الله المستقيم، وإلى كلمة سواء، وهي أن يخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، وأن يطيعوا الله عز وجل فيما أمر، وأن يتركوا ما عنه نهى وزجر.
ثم قال رحمه الله تعالى: (وصار الأمر بالاجتماع في الدين لا يقوله إلا زنديق أو مجنون) أي: أن من يأمر الناس بالإقبال على الكتاب والسنة ونبذ الأقوال المخالفة لهما مهما كانت مصادرها، سواء أكانت في الاعتقاد أم في الفقه يصفونه بالزندقة، أو بالجنون، والزنديق في كلام السلف هو المنافق، فقوله: (إلاَّ زنديق) أي: إلاَّ منافق، (أو مجنون) ، أي: فاقد العقل، والزنديق هو فاسد الدين، والمجنون: هو فاقد العقل، فيصفونه بأحد هذين الوصفين، وهو نظير ما وصف به الجاهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر كما قال الله جل وعلا: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53] أي أن هذه المقولة سببها الطغيان والخروج عن الصراط المستقيم.
إذاً: الواجب على كل مؤمنٍ أن يسعى إلى الاجتماع، وأن يأمر به، وأن يحث عليه، لكن ما هو الاجتماع الذي دعت النصوص إلى الأخذ به؟ الجواب: هو الوارد في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [آل عمران:103] ، والحبل في هذه الآية هو شرع الله المتين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.