وما ادعيناه ممكن، لكن ما ادعيناه أولى، لأنه خروج عن الأصل بوجه دون وجه، لأن الممنوع الصرف باق على الإعراب، بخلاف ما ادعاه؛ فإنه خروج عن الأصل بكل وجه.
الثاني: أنه لو كان مبنيا لكان غير الفتح أولى به؛ لأنه في موضع نصب، فيجب اجتناب الفتحة لئلا يتوهم الإعراب، كما اجتنبت في "قبل" و"بعد" والمنادى المبني.
الثالث: أنه لو كان مبنيا لكان جائز الإعراب جواز إعراب "حين" في قوله:
عَلَى حِينِ عَاتَبْتُ المَشِيب عَلَى الصِّبَا ... "فقلت ألما أصح والشيب وازع"1
لتساويهما في ضعف سبب البناء بكونه عارضًا، وكان يكون علامة إعرابه تنوينه في بعض المواضع، وفي عدم ذلك دليل على عدم البناء وأن فتحته إعرابية، وأن عدم التنوين إنما كان من أجل منع الصرف.
فلو نكر "سحر" وجب التصرف والانصراف كقوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ، نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} 2 اهـ.
وذهب السهيلي إلى أنه معرب وإنما حذف تنوينه لنية الإضافة، وذهب الشلوبين الصغير إلى أنه معرب، وإنما حذف تنوينه لنية أل، وعلى هذين القولين فهو من قبيل المنصرف، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور.
تنبيه: نظير سحر في امتناعه من الصرف أمس عند بني تميم؛ فإن منهم من يعربه في الرفع غير منصرف ويبنيه على الكسر في النصب والجر، ومنهم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في الأحوال الثلاث خلافًا لمن أنكر ذلك، وغير بني تميم يبنونه على الكسر، وحكى ابن أبي الربيع أن بني تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف إذا رفع أو جر بـ"مد" أو منذ فقط، وزعم الزجاج أن من العرب من يبنيه على الفتح، واستشهد بقول الراجز:
988-
إنِّي رَأيتُ عَجَبًا مُذْ أمْسَا ... "عجائز مثل السعالي خمسًا"
"يأكلن ما في رحلهن همسا ... لا تراك الله لهن ضرسا"