عن حركة الياء ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وذهب الأخفش إلى أنه تنوين صرف؛ لأن الياء لما حذفت تخفيفًا زالت صيغة مفاعل وبقي اللفظ كجناح فانصرف، والصحيح مذهب سيبويه، وأما جعله عوضًا عن الحركة فضعيف لأنه لو كان عوضًا عن الحركة لكان التعويض عن حركة الألف في نحو موسى وعيسى أولى لأن حاجة المتعذر إلى التعويض أشد من حاجة المتعسر، ولألحق مع الألف واللام كما ألحق معهما تنوين الترنم واللازم منتف فيهما فكذا الملزوم، وأما كونه للصرف فضعيف أيضًا إذ المحذوف في قوة الموجود وإلا لكان آخر ما بقي حرف إعراب واللازم كما لا يخفى منتف.

فإن قلت: إذا جعل عوضًا عن الياء فما سبب حذفها أولا؟

قلت: قال في شرح الكافية: لما كانت ياء المنقوص قد تحذف تخفيفًا ويكتفى بالكسرة التي قبلها وكان المنقوص الذي لا ينصرف أثقل التزموا فيه من الحذف ما كان جائزًا في الأدنى ثقلًا؛ ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر، إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم، انتهى.

واعلم أن ما تقدم عن المبرد من أن التنوين عوض عن الحركة هو المشهور عنه، كما نقل الناظم في شرح الكافية، وقال الشارح: ذهب المبرد إلى أن فيما لا ينصرف تنوينًا مقدرًا بدليل الرجوع إليه في الشعر، وحكموا له في جوار ونحوه بحكم الموجود وحذفوا لأجله الياء في الرفع والجر لتوهم التقاء الساكنين ثم عوضوا عما حذف التنوين وهو بعيد، لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير ولا يحسن ارتكاب مثله.

الثاني: ما ذكر من تنوين جوار ونحوه في الرفع والجرّ متفق عليه، نص على ذلك الناظم وغيره، وما ذكره أبو علي من أن يونس ومن وافقه ذهبوا إلى أنه لا ينون، ولا تحذف ياؤه، وأنه يجر بفتحة ظاهرة وهم، وإنما قالوا ذلك في العلم وسيأتي بيانه.

الثالث: إذا قلت "مررت بجوار" فعلامة جره فتحة مقدرة على الياء لأنه غير منصرف، وإنما قدرت مع خفة الفتحة لأنها نابت عن الكسرة فاستثقلت لنيابتها عن المستثقل، وقد ظهر أن قوله "كسار" إنما هو في اللفظ فقط دون التقدير، لأن "سار" جره بكسرة مقدرة وتنوينه تنوين التمكين لا العوض؛ لأنه منصرف، وقد تقدم أول الكتاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015