إلا أن توكيد تصيبنَّ أحسن لاتصاله بلا فهو بذلك أشبه بالنهي كقوله تعالى: {لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَان} 1، بخلاف قول الشاعر فإنه غير متصل بلا فبعد شبهه بالنهي، ومع ذلك فقد سوغت "لا" توكيده وإن كانت منفصلة فتوكيد "تصيبن" لاتصاله أحق وأولى، هذا كلامه بحروفه.
تنبيهان: الأول: ما اختاره الناظم هو ما اختاره ابن جني، والجمهور على المنع، ولهم في الآية تأويلات: فقيل لا ناهية والجملة محكية بقول محذوف هو صفة فتنة فتكون نظير "من الرجز":
جَاءُوا بِمَذْقٍ هَل رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ2
وقيل "لا" ناهية، وتم الكلام عند قوله "فتنة"، ثم ابتدأ نهي الظلمة عن التعرض للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة، فأخرج النهي عن إسناده للفتنة فهو نهي محوّل، كما قالوا لا أرينك ههنا، وهذا تخريج الزجاج والمبرد والفراء، وقال الأخفش الصغير: "لا تصيبنَّ" هو على معنى الدعاء، وقيل جواب قسم والجملة موجبة والأصل "لتصيبن" كقراءة ابن مسعود وغيره، ثم أشبعت اللام وهو ضعيف لأن الإشباع بابه الشعر، وقيل جواب قسم و"لا" نافية ودخلت النون تشبيهًا بالموجب كما دخلت في قوله: "من البسيط":
تَاللَّهِ لاَ يُحْمَدَنَّ المَرْء مُجْتَنِبًا ... فعل الكرام "ولو فاق الورى حسبا"3
وقال الفراء: الجملة جواب الأمر، نحو قولك: "انزل عن الدابة لا تطرحنك"، و"لا"