ولهذا قول القائل: إذا كان كل شيء بمشيئة الله وبكتابة الله، فنحن مجبرين على أعمالنا؛ قولٌ لايخفى مافيه من الفساد، لأنه إذا كان الإنسان مجبراً وفعل الفعل ثم عُذب عليه، ولهذا لو حدث من بشر لصاح الناس به، فكيف بالخالق عزّ وجل؟

ولذلك يعتبر هذا القول من أبطل الأقوال، ونحن نشعر بأنهم لايجبرون على الفعل ولا على الترك، وأننا نفعل ذلك باختيارنا التام.

وبهذا التقرير يبطل هذا الاستفهام الحادث المحدث، هل الإنسان مسير أو مخير؟

وهذا سؤال غير وارد وعلى من يسأل هذا السؤال أن يسأل نفسه: هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال؟ وكلٌّ يعرف أن الإنسان مخير لا أحد يجبره، فعندما أحضر من بيتي إلى المسجد هل أشعر بأن أحداً أجبرني؟ لا، وكذا عندما أتأخر باختياري لا أشعر بأن أحداً أجبرني، فالإنسان مخيّر لا شك، لكن ما يفعله الإنسان نعلم أنه مكتوب من قبل، ولهذا نستدل على كتابة الله عزّ وجل لأفعالنا وإرادته لها وخلقه لها بعد وقوعها، أما قبل الوقوع فلا ندري، ولهذا قال الله عزّ وجل: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إن الله عليم خبير) (لقمان: الآية34) فإذا كان هذا هو الواقع بالنسبة للمشيئة: أن الله تعالى يشاء كل شيء لكن لا يجبر العباد، بل العباد مختارون فلا ظلم حينئذ، ولهذا إذا وقع فعل العبد من غير اختيار رُفِع عنه الإثم، إن كان جاهلاً أو مكرهاً أو ناسياً، فإنه يُرفع عنه الإثم لأنه لم يختره.

ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّار قَالُوْا: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَفَلا نَدَعُ العَمَلَ وَنَتَّكِلُ عَلَى مَا كُتِبَ، قَالَ: لا، اعْمَلُوْا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ -اللهم اجعلنا منهم- فَيُيَسَّرُوْنَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُوْنَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَة ثُمَّ قَرَأَ النبي صلى الله عليه وسلم - مستدلاً ومقرراً لما قال- قول الله عزّ وجل: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015