المثال الرابع: أن تكون التورية لحاجة: كأن يلجئك رجل في سؤال عن أمور بيتك، وأنت لا تريد أن تخبره عن أمور بيتك، فهنا تحتاج إلى التورية، فإذا قال مثلاً: أنت تفعل في بيتك كذا وكذا، وأنت لا تحب أن يطلع على هذا، فتقول: أنا لا أفعل. وتنوي لا تفعل في زمن لست تفعل فيه هذا الذي سأل عنه، فالزمن متسع فمثلاً: أنت تفعله في الضحى فتقول: أنا لا أفعل هذا يعني في الصباح والمساء، فهذه حاجة.
المثال الخامس: أن لا تكون التورية لحاجة ولا لمصلحة ولا واجب ولا حرام، فهذه مختلف فيها، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لا تحل التورية، وقال إنها حرام، لأن التورية ظاهرها يخالف باطنها، إذ إن معنى التورية أن ينوي بلفظه ما يخالف ظاهره، ففيها نوع من الكذب، فيقول: إنها لا تجوز.
وفيها أيضاً مفسدة وهي: أنه إذا أطلِعَ أن الأمر خلاف ما فهمه المخاطب وصف هذا الموري بالكذب وساء ظنه فيه وصار لا يصدقه، وصار هذا الرجل يلعب على الناس، وما قاله الشيخ - رحمه الله تعالى - قوي بلا شك.
لكن لو أن الإنسان فعل ذلك أحياناً فأرجو أن لا يكون فيه حرج، لا سيما إن أخبر صاحبه فيما بعد، وقال: إني قلت كذا وكذا، وأريد كذا وكذا، خلاف ظاهر الكلام، والناس قد يفعلون ذلك على سبيل المزاح، مثل أن يقول لك صاحبك: متى تزورني؟ أنا أحب أن تزورني، فقلت له: بعد غد، هو سيفهم بعد غد القريب، وأنت تريد بعد غد مالا نهاية له إلى يوم القيامة، وهذا يؤخذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صلح الحديبية لما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ألست تحدثنا أننا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: نعم، لكني لم أقل هذا العام وإنك آتيه ومطوف به (?) .
وجرت لشيخنا عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - قصة حول هذا الموضوع، جاءه رجل في آخر شهر ذي الحجة، أي باقي أيام على انقضاء السنة، وقال