وهذه وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقضى بها هكذا، على أنه إذا حلف خمسون رجلاً من أولياء المقتول فإنهم يستحقون قتل المدعى عليه، وهذا هو الحق، وإن كان بعض السلف والخلف أنكر هذا وقال: كيف يُحكم لهم بأيمانهم وهم مدعون.
فيقال: السنة هنا مطابقة تماماً للواقع، لأن مع المُدَّعين قرينة تدل على أنهم قتلوا صاحبهم وهي العداوة، فهذا القتيل رؤي عند القبيلة الأخرى المدعى عليها، ولا نقول: هاتوا شهوداً، لأن قرينة الحال أقوى من الشهود.
فإذا قال قائل: لماذا كررت الأيمان خمسين يميناً؟
فالجواب: لعظم شأن الدماء، فليس من السهل أن نقول احلف مرة واقتل المدعى عليه.
فإن قال قائل: كيف يحلف أولياء المقتول على شخص معين وهم لا يدرون عنه؟
فالجواب: أننا لا نسلم أنهم لا يدرون عنه، فربما يكونون شاهدوه وهو يقتل صاحبهم، وإذا سلمنا جدلاً أو حقيقة أنهم لم يشاهدوه فلهم أن يحلفوا عليه بناء على غلبة الظن وتتم الدعوى، والحلف بناء على غلبة الظن جائز.
ولذلك القسامة قال عنها بعض العلماء: إنها تخالف القياس من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن الأيمان صارت في جانب المُدَّعين، والأصل أن اليمين في جانب المنكر.
الوجه الثاني: أنها كررت إلى خمسين يميناً.
الوجه الثالث: أن أولياء المقتول يحلفون على شخص قد لايكونون شاهدوا قتله.
وسبق الجواب عن هذا، وأن القسامة مطابقة تماماً للقواعد الشرعية.
. 4فيه أنه لو أنكر المنكر وقال لا أَحلف فإنه يقضي عليه بالنكول، ووجه ذلك أنه إذا أبى أن يحلف فقد امتنع مما يجب عليه، فيحكم عليه بالنكول، والله أعلم.