أَنْتَ يَارَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدِنِيَ اللهُ بِرَحْمَتِهِ" (?) فكيف يُجمع بين هذا الحديث وبين النصوص الأخرى الدالة على أن الإنسان يدخل الجنة بعمله؟

أجاب العلماء - رحمهم الله، فقهاء الإسلام، أطباء القلوب والأبدان، ممن علمهم الله ذلك - فقالوا: الباء لها معنيان: تارة تكون للسببية، وتارة تكون للعوض.

فإذا قلت: بعت عليك هذا الكتاب بدرهم، فهذه للعوض.

وإذا قلت: أكرمتك بإكرامك إياي، فهذه للسببية.

فالمنفي هو باء العوض، والمثبت باء السببية.

فقالوا: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ" أي على أن ذلك معاوضة، لأنه لوأراد الله عزّ وجل أن يعاوض العباد بأعمالهم وجزائهم لكانت نعمة واحدة تقضي على كل ما عمل، وأضرب مثلاً بنعمة النَّفَس، نعمة النفس هذه نعمة عظيمة لايعرف قدرهاإلا من ابتلي بضيق النفس، واسأل من ابتلوا بضيق النفس ماذا يعانون من هذا، والرجل الصحيح الذي ليس مصاباً بضيق النفس لايجد كلفة في التمتع بهذه النعمة، فتجده يتنفس وهو يتكلم، ويتنفس وهويأكل ولايحس بشيء.

هذه النعمة لو عملت أي عمل من الأعمال لاتقابلها، لأن هذه نعمة مستمرة دائماً، بل نقول: إذا وفقت للعمل الصالح فهذا نعمة قد أضل الله عزّ وجل عنها أمماً، وإذا كان نعمة احتاج إلى شكر، وإذا شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر آخر، ولهذا قال الشاعر:

إذا كانَ شكري نعمةَ اللهِ نعمةً ... عليَّ لهُ في مثلها يجب الشكرُ

فكيفَ بلوغُ الشُّكرِ إِلاَّ بفضلهِ ... وإن طالت الأيام واتّصل العمرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015