للقارئ ألا يصل قوله (هُمْ يُنْشِرُونَ) بقوله (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (الأنبياء: 21) يقول: (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) (هُمْ يُنْشِرُونَ) حتى يتبين المعنى لأنك لو وصلت لظن السامع أنها صفة لـ: آلهة.
فإن قال قائل: كيف وقع في قلب النبي صلي الله عليه وسلم أن هذا الرجل جاء يسأل عن البر؟
فالجواب: قضايا الأعيان لا يسأل عنها، هذه قضية عين يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن وابصة رضي الله عنه يسأل عن البر، فلما أتى إليه قال له: (أجئت تسأل عن البر) ويحتمل أن هذا من فراسة النبي صلى الله عليه وسلم فالمهم: أن قضايا الأعيان يصعب جدا أن يدرك الإنسان أسبابها.
(قلت نعم قال: استفت قلبك) أي اسأل والاستفتاء طلب الافتاء وهو بمعنى الخبر لأن الافتاء إخبار عن حكم شرعي فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على قلبه.
(البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس) اطمأن يعني: استقر ومنه الحديث: (اركع حتى تطمئن راكعا) (?) أي تستقر فما استقر إليه القلب ورضي به وانشرح به واطمأنت إليه النفس أيضا لا تحدثك نفسك بالخروج عنه فهذا هو البر ولكن لمن قلبه سليم ونيته صادقه. أما من ليس كذلك فقلبه لا يطمئن للبر ولا تطمئن إليه نفسه ولهذا تجده إذا شرع في البر يضيق ذرعا ويسرع هربا حتى كأنه مطرود، لكن المؤمن يطمئن قلبه وتطمئن نفسه إلى البر.
(والإثم ما حاك في النفس) أي تردد فيها (وتردد في الصدر) يعني في القلب لأنه قال: (البر ما اطمأنت إليه نفسك وأطمأن إليه القلب) .
(وإن أفتاك الناس وأفتوك) هذا من باب التوكيد يعني حتى لو أفتاك وأفتاك وأفتاك