أما الميزان والصراط؛ فيختلفون أيهما يكون أولاً.
فبعضهم يقولون: الميزان بعد اجتياز الصراط؛ وقد أجمع العلماء على أن الصراط جسر ممدود على متن جهنم، قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:71-72] .
والصراط كما يقول العلماء: أدق من الشعرة، وأحد من السيف، ويمر الناس عليه بحسب أنوارهم؛ لأن المؤمنين يبعثون من قبورهم بنور الإيمان كلٌ على حسب عمله، منهم من يكون معه النور كالجبل، ومنهم من يكون كالنخلة، ومنهم من يكون كالشمعة، ومنهم من يكون النور في إبهام قدمه ينطفئ تارةً ويضيء تارة، فإذا أضاء مشى وإذا انطفأ قام.
ويمرون على الصراط بحسب نورهم، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم إلخ.
فإذا اجتاز الناس الصراط فهناك يأتي الميزان، ونحن نؤمن بأن الله سبحانه يضع الموازين القسط ليوم القيامة، وهو ميزانٌ له كفتان محسوستان، ولكن هل يوزن الإنسان بعمله أو توزن الأعمال فقط؟ ومن أعظم أحاديث الميزان: حديث البطاقة: بأن رجلاً عرض على الميزان وله تسعٌ وتسعون سجلاً، كل سجل مد البصر، وكلها أعمال سيئة فتوضع في كفة سيئاته، فيناديه ربه: هل ظلمك كتبتي أليست هذه أعمالك؟ يقول: بلى يا رب، فيقول: هل بقي لك عندنا شيء؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى! لك عندي أمانة، فإذا ببطاقة مكتوبٌ فيها لا إله إلا الله، يقول: يا ربّ وماذا تفعل تلك البطاقة بتلك السجلات، فيقول سبحانه: لا ظلم اليوم، وتوضع البطاقة في كفة الحسنات فترجح وتطيش كفة تلك السجلات بما فيها.
فلا شيء يوازن اسم الله، هكذا يقول علماء العقائد.
فالميزان موجود وهو محسوس، ولكن قد يقال: كيف توزن الأعمال وهي أمورٌ معنوية؟
وصلى الله عليه وسلم هذا مما ليس لك فيه دخل، بل إننا في الوقت الحاضر نجد موازين متعددة، موازين تزن الحرارة، موازين تزن البرودة، موازين تزن الضغط في الهواء، موازين تزن الكثافة في الحديد وفي الماء، موازين توصل إليها الناس كانت لا تخطر على قلب أحد.
إذاً: توزن الأعمال والصحف والإنسان، وليس في طاقة العقل أن يتكيف معه، وقد جاء في الحديث الصحيح عند مسلم: (سبحان الله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض) ، فـ (سبحان الله) تملأ الميزان، كيف وهي أمر معنوي؟ هل تتجسم الحسنات وتصير ملموسة لها ثقل؟ ليس لنا ذلك، الله سبحانه يفعل ما يريد، الذي يهمنا أن الله سبحانه أوجد الميزان.
ويتساءل العلماء: وما الحاجة إلى الميزان؟ بعض الفلاسفة يتبجحون ويقولون: إنما يحتاج إلى الميزان الفوّال والكيال، والله ليس في حاجة إلى ميزان.
والجواب: صحيح أنه ليس في حاجة إلى هذا كله، ولكن: لماذا لا تقولون: ما فائدة الصحف؟ ولماذا لا تقولون: ما الحاجة إلى وجود ملائكة كرام كاتبين؟ فإن الله لا يحتاج شيئاً من ذلك.
لكن المولى يقيم الحجة على الخلق لئلا يحتج أحدٌ على الله، فكما جعل كراماً كاتبين وجعل صحفاً، كذلك جعل الميزان لتقوم الحجة على الخلائق.