قد يستجاب الدعاء مع شدة الرجاء فيما عند الله ولو كان من كافر، فلا تستعظموا ذلك! فإن الله لا يتعاظم عليه شيء.
إذا قام الكافر وهو في شدة وكربة وتوجه إلى الله، وصار يستصرخ ويصيح ويسأل ربه أن يفرجها عنه، فالله سبحانه لا يرد سائلاً، ولا نقول: هذا كافر، أليس ربه هو الذي خلقه، وهو الذي رزقه، وأعطاه ما أعطاه؟ وفي الحديث: (إياكم ودعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس لها حجاب دون الله تعالى) .
حينما يتوجه الكافر إلى الله بالمسألة فيما يخصه ليفرج الكرب عنه، فهو في تلك اللحظة مؤمن بمن يدعوه ويلجأ إليه ويرجوه.
ولذا قال حصين حين سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم تعبد إلهاً؟ قال: سبعة، ستة في الأرض، وواحد في السماء.
قال: فأيهم تعد لرغبتك ولرهبتك؟ قال: الذي في السماء) .
لأنه لم يخش ولم يرج إلا الذي في السماء سبحانه وتعالى، والبقية تلك كما يقولون: على الهامش، لا قيمة لها عند الشدة وعند الحاجة.
وأيضاً: الكافر حينما يتوجه إلى الله، ويقول: يا رب! الآن أنا مسلم، فهل يرده عن هذا، ويقول له: لا، أنت كنت كافراً؟ لا، فإن (الإسلام يجب ما كان قبله) .
ويذكرون في كتب التفسير أن فرعون حينما جاءه الغرق صار ينادي: يا موسى! يا موسى! عدة مرات، وموسى لم يلتفت إليه، فالله سبحانه وتعالى عاتب موسى فيه، وقال: يا موسى! يناديك عبد من عبادي لتغيثه فلم تلتفت إليه، لو ناداني مرة واحدة لأجبته! وفضل الله أكبر من هذا.
ولذا يا إخوان! يجب على كل مسلم أن يُعلِّم الخلق سعة فضل الله، وأن يُعظِم رجاءهم في الله، ثم بعد ذلك يأخذهم إلى كتاب الله وسنة رسوله.
ومما جاء في الآثار عن موسى أنه سأل ربه عن أحب شيء إليه؟ قال: أن تحببني عند خلقي.
فلا تُيئس الناس من رحمة الله، وسع لهم المجال، ثم خذهم بالكتاب والسنة، وعلمهم ما يجب من حق الله عليهم، وحق العباد على بعضهم البعض.
(يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني) ، يقول العلماء: الرجاء وقت الدعاء من شرط الإجابة، أما إذا كان يدعو من دون رجاء فكأنه غير مهتم وغير مبال، وفي الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي) ، فإذا دعا وهو يحسن الظن بالله تعالى يجيب دعاءه أجاب الله دعاءه.
وكثير من العلماء يقولون: من دواعي استجابة الدعاء أن يكون المطعم حلالاً، لا أن يكون حراماً.
كيف تتغذى بالحرام معاندة ومخالفة لله، ثم تتقدم وتسأل الله بجسم غذي بالحرام؟! أما إذا دعوت بجسم غذي بالحلال، وتوجهت إلى الله، كان ذلك حري بالاستجابة، وهذا من المراتب العليا للمؤمنين كما روي عنه صلى الله عليه وسلم حينما سأله الرجل وقال: (يا رسول الله! ادع الله لي أن أكون مجاب الدعوة، فقال: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) ، إذا كان طعامك من حلال فإن دعوتك مجابة.
وهكذا في جميع العبادات كما جاء في الحج: (إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور) ؛ لأن كل مقوماته بالحلال.
إذاً: هذا الجزء من هذا الحديث من أعظم ما يُرجِي العبد.