ومن هنا أثبت أهل السنة والجماعة سؤال القبر وعذابه ونعيمه، واستدلوا بالنصوص الأخرى كما في الموطأ في كتاب الجنائز، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت ليعذب في قبره من بكاء أهله) .
ولما سمعت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن ابن عمر رضي الله عنه يحدث بهذا، قالت: رحم الله أبا عبد الرحمن! ما كذب ولكنه نسي؛ إن الرسول قال ذلك في امرأة يهودية: (إنهم ليبكون عليها وهي تعذب في قبرها) .
وسواء كان في امرأة يهودية تعذب في قبرها، أو كان العبد يعذب في قبره ببكاء أهله عليه؛ فقد أثبت كل من الحديثين سواء على رواية ابن عمر أو على رواية عائشة أن في القبر عذاباً، سواء كان لليهودية أو كان لهذا الرجل الذي يبكي عليه أهله.
وقد جاء الحديث من غير طريق ابن عمر كـ عمر وزيد وغيرهم، من: (أن العبد يعذب في قبره ببكاء أهله) .
قالوا: ما ذنبه حتى يعذب بفعل الغير؟ وأجابوا: بأن الإنسان بين أحد أمور ثلاثة: الأول: إما أن يأمر أهله أن يبكوا عليه لزيادة مكانته وإظهار الحزن عليه، كما أوصى طرفة أن يبكوا عليه: إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد الثاني: أن لا يوصي بالبكاء، ولكن يعلم من أهله أنهم سيبكون عليه ولم ينههم وهو حي، وكان الواجب عليه أن يقول: لا تبكوا عليّ، واصبروا واحتسبوا.
الثالث: أنه يعلم ذلك لكنه حذرهم؛ فخرج من العهدة، فيكون الذي يعذب في قبره ببكاء أهله: إما أنه أوصى بذلك، وإما أنه يعلم ولم ينههم عن هذا، فيكون كالذي رضي بما سيفعلون فيما بعد، فيعذب بذلك.
إذاً: القبر فيه عذاب ونعيم، واستدل الجمهور أيضاً من القرآن الكريم فيما يتعلق بفرعون وأهله، {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، أي: يعرضون عليها باستمرار صباح مساء، ويوم تقوم الساعة يدخلون النار، فيكون عرضهم على النار غدواً وعشياً قبل قيام الساعة، وهذا هو رأي الجمهور.