ثم يأتي البيان، وكأنه قيل: يا رب! ومن أولياؤك الذين لا نحاربهم؟! من أولياؤك الذين لا نعاديهم؟! ومن أولياؤك الذين تحارب أعداءهم؟! الولاية قربة أو لا؟ الولاية قربة، الولي متقرب إلى الله، يقول: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل) كأن الحديث يقول: حقيقة أولياء الله الذين أدوا الفرائض المفروضة عليهم، وزادوا في اجتهادهم بالنوافل، إذاً: الذين يدعون الولاية ولا يؤدون الفرائض، يبقون أولياء من؟! الذين يدعون الولاية وهم كعامة الناس لا أزيد عن الخمس ولا أنقص، وغيره يجتهد في النوافل هل يكونون سواء؟ ليسوا سواء.
إذاً: هذا الحديث كما يقول العلماء: فاصل بين الحق والباطل، فاصل بين الدعوة والدعاية، فاصل بين الحقيقة والادعاء، فلو رأينا خارق عادة على إنسان هل نحكم بأنه ولي؟ لا، فمجرد رؤية خارق العادة قد تكون بخدعة لا ندركها، بعض الناس قد يأتي بأمور عجيبة لخفة يدٍ أو سحر فتظن أنها كرامة! سحرة فرعون سحروا أعين الناس، فنحن ننظر أولاً -قبل أن ننظر إلى خارق العادة- إلى من جرت على يده، وما موقفه من الدين؟ يقول أئمة وعلماء التصوف الحقيقيون الذين ينقل عنهم ابن تيمية؟: كل دعوى بدون بينة فهي باطلة، والبينة على الدعاوى شاهد عدل، وكل من ادعى دعوة في الإسلام بدون شاهدي عدل فدعواه مرفوضة، وشاهدا العدل عندنا كتاب الله وسنة رسوله، فإن كان يقيم البينة على أنه من أولياء الله، {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] ، فإيمانه كرامة، يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: ليس بلازم أن نراه يطير في الهواء أو يمشي على الماء، لا، قد يكون مجرد توفيقه في عمله ودعوته إلى الله، وإصلاح الناس على يده من أكبر الكرامات، نحن قد نجد كثيراً من الناس لهم مجهودهم الكبير في الدعوة إلى الله، وما خلفوا للمسلمين من تراث علمي نافع، ولا نستطيع أن نقول: هؤلاء أولياء الله، والله والاهم.
إذاً: ليس مجرد وجود خرق العادة يكون لازماً أنه من ولي، إنما لازم الاتباع، الحكم السليم على شخصيته أولاً.
والله تعالى أعلم.