لا نطيل الكلام في ذلك، وهذا أمر ثابت لا ينبغي لأحد أن ينكره، ولا ينبغي لأحد أن يسترسل فيه ويثبت ما يتخيله، ولكن ما كان واقعاً بالفعل صدقناه، كما ذكر عن بعض السلف حينما جاء الأسد وكلمه، وكان تائهاً في الطريق، فيأتي الأسد فيدله على الطريق حتى يعرف مكانه إلى غير ذلك من الأمور التي أثبتها العلماء، وهذا أمر لا دخل للعقل فيه، والمرجع فيه للسند والإثبات، وكل ما أثبته الثقات من العلماء مما وقع من مثل ذلك صدقناه، ووقوع مثل هذا ليس مجرد كرامة لصاحبه، ولكنه تجديد إيمان من يسمع بذلك، ألم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يرون المعجزة من المعجزات يزدادون إيماناً؟ في غزوة الخندق استعصت عليهم الكدية، وتكسرت معاول القوم، فجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعوله، وفي رواية أنه توضأ ونضح الماء عليها، ثم نزل إليها وضرب الضربة الأولى، فأبرقت فرأى قصور عدن، ثم ضرب الضربة الثانية فأبرقت ورأى قصور صنعاء، وتكسرت أكثر، ثم الثالثة وكل مرة يكبر صلى الله عليه وسلم، ويقول: (فتحت كذا وفتحت كذا) أبو هريرة إنه أسلم عام خيبر، لكن يروي عمن حضر، أنه كلما خرجت سرية أو جيش ليقاتل، يقول: اذهبوا حيث شئتم، فلا تفتحوا بلداً إلا وقد أخبرنا رسول الله عنها علماً.
الصحابة لما كانوا يحفرون الخندق، يقول جابر أو غيره: والله! لقد كان أحدنا يخاف عندما يذهب يقضي حاجته، اليهود حولهم من كل جهة، والأحزاب يأتون من هنا واليهود من هنا فكان الموقف حرجاً، قال تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب:10] ، فلما جاءت الكدية وكبر رسول الله وقال: (فتحت كذا وفتحت كذا) أليس ذلك من باب الطمأنينة عندهم؟! وكذلك تكثير الطعام! وكلما رأى الصحابة معجزة لرسول الله ازدادوا إيماناً مع إيمانهم، وكذلك المؤمن عندما يرى خارق العادة على يد مؤمن متقٍ داع إلى الله، يكون هذا أدعى إلى تصديقه.
إذاً: المؤمن التقي الذي يدعو إلى الله، ويقوم بحق الله سبحانه! يجب التعاون معه، وتجب نصرته، لا أن نعاديه، فإن عاداه أحد فهل عاداه لشخصه أو عادى ربه؟ إذاً: يصدق عليه قوله: (فقد آذنته بالحرب) .