يتفق العلماء على أن بداية اليوم الآخر لكل إنسان بحسبه، أما يوم البعث ويوم الحشر فهو للجميع.
وبداية اليوم الآخر بالنسبة لكل فرد من بداية النزع، ولحظات سكرات الموت ومفارقة الدنيا والإقبال على الآخرة، ولذا يقول الفقهاء: من مات فقد قامت قيامته، يعني: انتهت دنياه وبدأ في طريق الآخرة.
أما الموت فلا ينكره أحد؛ لأنه شيء محسوس معاين، وتحدى الله سبحانه الخلائق كلها أن يوقفوا حركة الموت: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83-87] .
وهل ارتجعت روح إنسان قط؟ لا والله، قد حاول العالم في الآونة الأخيرة إبقاء حياة فردٍ كان يحكم قريباً من نصف العالم، وغاية ما استطاعوا إمداد حركة القلب فقط مع موت الدماغ، والطب يقول: ليس الموت موت القلب ولكن الموت موت الدماغ، أما القلب فإنما هو آلة تضخ الدم، ويمكن الاستعاضة عنه بقلب اصطناعي، أما المخ فلا.
هذا الشخص اجتمعت له أطباء العالم حتى من معسكر خصمه، وبقي أسبوعاً وقلبه ينبض، ولكن ليس هناك حياة، فعجزوا ثم دفنوه واستراح، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل:61] ، والمقصود بالساعة الساعة اللغوية، أي: لا يستأخرون عنها.
ومن عند الموت تبدأ أحوال الآخرة وأولها عملياً البرزخ، وكلمة البرزخ بدلاً من القبر؛ لأن البرزخ أعم من القبر، فمن أحرق فهو في برزخ، من أغرق وأكلته الحيتان فهو في برزخ، من أكلته السباع في الخلاء فهو في برزخ.
ويقول ابن كثير: ولو أحرق وذري في الهواء فهو في برزخ، أي: برزخٌ بين الدنيا والآخرة؛ لأن مرحلة وجود الإنسان أولاً في عالم الذر، وعندما أخرج الله ذرية آدم من ظهره، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى.
هذه مرحلة رجعوا منها إلى أصلاب الآباء وجاءوا منها إلى الأرحام فهي مرحلة.
ثم خرجوا إلى الدنيا، وهي محطة الزرع والتزود وينتقلون منها إلى البرزخ.
وهذه مرحلة.
ثم تأتي المرحلة النهائية وهي يوم القيامة واليوم الآخِر، وبحث العلماء في موضوع البرزخ هو: عذاب القبر ونعيمه وتفاوت الناس فيه، وسؤال العبد في قبره، وكون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؛ عياذاً بالله!