هل كل معاداة لولي تستوجب حرباً لله؟
صلى الله عليه وسلم لا، ولقد وقع النقاش والخلاف في أمور دنيوية بين خيرة الأمة وأكرمها عند الله، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل كانت معاداة؟ قالوا: لا، والخصومة في أمر الدنيا من طبيعة البشر، فـ عمر رضي الله عنه اختصم مع أبي بن كعب في نخيل، وقال أبي: ألأنك أمير المؤمنين؟! وهذه خصومة، فقال: لا والله! اختر من شئت نحتكم إليه، قال أبي: نحتكم إلى زيد بن ثابت، ويذهب أمير المؤمنين مع خصمه إلى دار زيد، ويدخلان معاً، فيقول زيد: هلم يا أمير المؤمنين! فيقول عمر: لا، ما جئتك أميراً للمؤمنين، إنما جئتك مختصماً مع خصمي، فقال: اجلس مع خصمك، فيجلس مع خصمه، فقال زيد: ما دعواك يا أبي؟! قال: نخل لي في كذا وكذا، قال زيد: ألك بينة عليها؟ قال: لا، وأطلب يمينه، فتساهل زيد وقال: أوَتعفي أمير المؤمنين من اليمين؟ فصاح عليه عمر: ويحك! جرت في الحكم، أكل الناس تشفع فيه في الحكم؟! لماذا لا توجه إليّ اليمين؟! قال: أتحلف؟ قال: نعم أحلف، فحلف عمر، وبمقتضى عدم البينة، وحلف المدعى عليه، برئت ذمته، وحكم بالنخيل لـ عمر، وصرف النظر عن دعوى المدعي، وهذه خصومة في القضاء، لكن هل هي معاداة لولي الله؟ لا والله! إنما هي أمور جبلية في أمور الدنيا، ومن هنا يقول العلماء: (من عادى لي ولياً) ، ليس منه المطالبة بحق شرعي، ولنأت إلى سر الحديث وإلى البلاغة التي تُشم ولا تُلمس في هذا اللفظ النبوي الكريم، تحسسوا معي يا إخوان! (من عادى لي ولياً) ، ولم يقل: من عادى ولياً لي، بل (من عادى لي ولياً) ، فهل تجدون فيها فرقاً أم لا؟ الذوق البلاغي هنا: بتقديم (لي) على (ولياً) ، فإن تقديم الجار والمجرور هنا، وإضافته إلى المولى سبحانه يُشعر بأن المحاربة تكون لمن عادى الولي لكونه ولياً لله، أما لو قال: (من عادى ولياً لي) ، فقد يكون هذا الولي عنده ما يوجب المعاداة، لكن (من عادى لي) ، يعني: من أجلي وبسببي وباسمي، فمن عاداه وهو ينتمي إليّ فقد آذنته بالحرب، والحديث في بلاغته يُشعر بأن العداوة المنهي عنها والمحذر منها هي أن يعاديه لكونه ولياً لله، ومن الذي يعادي ولي الله لولايته لله؟ نعلم جميعاً أن ولاية الله لا تحصل بالمعصية والفسوق والخروج على كتاب الله وسنة رسوله، ولا بمخالفة الإجماع وشق عصا المسلمين، فهذا الحديث -كما يتفق العلماء- يعتبر فاصلاً بين الحق والباطل.
ولي الله فعلاً كما جاء في الكتاب الكريم: {الَّذِينَ آمَنُوا} [يونس:63] ، ومقتضى الإيمان: الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، والإيمان يستلزم العمل بالحق والتمسك به، فقولك: آمنت بالله، تؤمن بكل صفات الله، وتؤمن بكل ما جاء عن الله، ومما جاء عن الله كتابه سبحانه ورسوله الذي ارسله إلينا، فمن مقتضى الإيمان الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فتلتزم كل ما جاءك به.
عندما تقول: (لا إله) نفيت الآلهة كلها بكلمة (لا) ، فإذا جئت تقول: (إلا الله) ، (إلا) أداة استثناء، وما بعدها يغاير ما قبلها، فنفيت عموم الآلهة كلها، وأثبت إلهاً واحداً وهو الله، فإذا اتخذت شريكاً مع الله، وقربت قرباناً لغير الله، ناقضت ذلك، ولم تكن ملتزماً بها، فلا يصح قولك: (لا إله إلا الله) إلا بنبذ جميع الآلهة سوى الله، وقد فهم ذلك المشركون تماماً وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] ، فلا يكون مع الله أحد.