وجعل المولى سبحانه في السنة أزمنة محرمة، وكان العرب في الجاهلية يعظمونها، وكانوا يكفون عن القتال والأذى فيها، وهي الأشهر الحرم.
قال الله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة:36] أي: تعظيم حرمات تلك الأشهر {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36] ، والأشهر الحرم هي: شهر رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ثلاثة أشهر متواليات، ورجب الفرد.
وقال الله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] ، وما هي الأشهر المعلومات؟ هي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فشوال انفرد بأشهر الحج، والمحرم انفرد بالأشهر الحرم، وذو القعدة وذو الحجة اشتركا في أشهر الحج والأشهر الحرم، فإذا كان شوال وذو القعدة وذو الحجة هي أشهر الحج، والمحرم من الأشهر الحرم، فالمولى سبحانه يقول: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة:2] ، فيحرم على الناس في منازلهم، وعلى القبائل في أماكنهم، أن يحلوا شعائر الله، ولا آمين البيت الحرام الذين يبتغون فضلاً من الله.
أي: فلا تحلوا الأشهر الحرم، ولا تحلوا الشعائر، ولا القلائد، ولا آمين البيت، وهم قاصدو البيت الحرام من الحجاج والمعتمرين، فقد كان الحاج من قبل يأتي من أقصى الجزيرة أو من البحرين أو من دول الخليج متجهاً إلى مكة، ويحتاج في مجيئه إلى نحو شهر ونصف، فلو خرج من نصف شوال، وجاء إلى مكة، وأدرك عرفة، فيقضي شهراً ونصفاً في سفره وحجه، ثم إذا أراد أن يرجع فمعه بقية ذي الحجة وشهر المحرم، فيذهب الحاج الذي من أقصى الجزيرة ويرجع إلى أهله في الأشهر الحرم، وهو معصوم الدم، آمناً من تلك القبائل، فوقت الحج يتزامن مع الأشهر الحرم لتحفظ حرمة الحاج.
وفي الوقت الحاضر يأتي الحجاج من الصين، ومن موسكو، ومن واشنطن، ومن أقصى العالم، فقد يصل في عشر ساعات بالطيران، فيأتي ويرجع في الأشهر الحرم، وإذا وصل إلى مكة فهو في الأشهر الحرم، وفي البلد الحرام، فحينئذٍ يؤدي حجه آمناً مطمئناً، قد أمنه المولى، ومن اعترض الحاج، ومن أزعج الحاج أو أزعجه أو أقلقه أو أخافه؛ فهو محارب لله؛ لأن الله أمنه، فيأتي هذا ويخفر ذمة الله.
الله يقول: يا عبادي! هلم إلى بيتي آمنين، بيتي أعددته لكم ومن دخله كان آمناً، ثم يأتي هذا ويتعدى على من أمنهم الله! وهم في غفلة عن هذا، فكل من أهاج حاجاً، وكل من آذى مسلماً جاء للحج، وكل من أخاف إنساناً في حرم الله، فقد توعده الله بالعذاب الأليم.
لو أن إنساناً دخل بيتك، ثم جاء إنسان وفتح الباب واعتدى عليه، فقد اعتدى على صاحب البيت أيضاً، فالمولى سبحانه جعل الحرم آمناً، وجعله عتيقاً من الجبابرة، وأمن هواءه وأرضه وسماءه، ثم يأتي إنسان فيستهين بتلك الحرمة، ويعتدي على حرم المولى لعباده الذي جعله آمناً فوالله إنه لإجرام كبير، ولا يؤمن على هذا المعتدي مكر الله.