بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذا الحديث السابع والثلاثون في فضل الله ورحمته.
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف.
في هذا الحديث النبوي الشريف يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة سبحانه أنه كتب الحسنات والسيئات، و (كتب) هنا بمعنى: أعلم الملائكة كيف تكتب الحسنات والسيئات على بني آدم، وما يكون موقفهم عند عمل العبد فعلاً أو عزمه على العمل، وبين لهم الهم بالفعل والتنفيذ العملي، وعلمهم ماذا تكتب الملائكة على الإنسان في هذا كله.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الحسنات والسيئات) بمعنى: بين منهجاً للملائكة كيف تكتب إذا عمل العبد فعلاً أو عزيمةً.
وقيل: المعنى يرجع إلى القضاء والقدر، أي: أن الله قدر الحسنات والسيئات، ولكن تتمة الحديث تؤيد المعنى الأول؛ لأن الحديث يبين ماذا للعبد في عمله وماذا للعبد في عزمه على العمل فهو بيان الإحصاء، وكيفية تسجيل الملائكة على العباد أعمالهم.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم الأقسام الأربعة وهي: الهم بالحسنة، وفعل الحسنة، والهم بالسيئة، وفعل السيئة، ويلحق بذلك ترك فعل السيئة، فهي أربعة أقسام يلحقها قسم خامس، وبدأ صلى الله عليه وسلم ببيان أمر الحسنة فقال: (من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات، ويضاعف الله لمن يشاء إلى سبعين ضعفاً، إلى سبعمائة ضعف، إلى إضعاف كثيرة) هذا مبدئياً، ويقابل هذا قوله: (من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة) ؛ لأنه ترك السيئة، ولو فعلها كانت سيئة واحدة.
متى يكون العزم أو الهم مؤاخذاً عليه أو غير مؤاخذ عليه؟ وهل المضاعفة قاعدة عامة مطردة أم أن لها أحوال استثنائية فتتضاعف السيئات وتتضاعف الحسنات؟